أحيانًا من ترف، فإن ما قام به الرهبان من إصلاح اقتصادي لأوربا في العصور الوسطى ليشهدوا بأنهم كانوا ولا يزالون بوجه عام مُلاكًا وزراعًا أذكياء.
وهكذا انصرف ذكاؤهم وتفكيرهم إلى المال وطرق جمعه، حتى ولو بالإلحاف في السؤال كما يقول ول ديورانت: "كان بعض الرهبان يغادرون الأديرة باختيارهم، ويضايقون الناس بإلحافهم في السؤال، ولا يتقيدون بقيود الأديرة، وأصبح رؤساء الأديرة المنكبون على مباهج الدنيا، السمان الأغنياء الأقوياء؛ هدفًا لسخرية الشعب وتشهير الأدباء، ومن الأديرة ما اشتهر بطعامه الشهي وخمره، وفسدت أخلاقهم لزيادة ثرائهم كرد فعل للحرام الذي تكلفوه. ومن ثم فالرهبنة قائمة على العنت والمشقة وتكليف النفس البشرية فوق طاقاتها، والغلو في تهذيبها إلى حد التضييق والتعذيب، هذا التفريط الذي أعقبه إفراط.
أما في الإسلام فمن منهجه: ((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا))، يوازن الإنسان بين الدنيا والآخرة، فيبيح حرية التملك، وتحقيق العزة الاقتصادية، ويحارب الفقر، وفي ذات الوقت يأمر بالزكاة والزهد في المال، بمعنى عدم الإلحاح في طلب متع الدنيا، وحصر الهدف في الحصول عليها لذاتها، وكأنها غايات لا وسائل، والإسلام بدعوته للزهد يحول دون المادية وطغيانها افتنان القلب بها؛ لتحقيق الكرامة والثقة بالله، دون أن يحرم الاستمتاع بمتع الدنيا الحلال، يقول تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (الأعراف: 32).
هذا هو معنى الزهد في الإسلام، ليؤكد التوازن، والفكر الزهدي في الإسلام غير الرهبنة، إن الرهبانية شيء خاص للقائلين بها، وأما الإسلام ففيه التوازن الذي حرمه الفكر