وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ثم قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أما أنا أصوم ولا أفطر، قال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج. فجاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
فالإسلام راعى الفطرة في بناء التكاليف عليها، حيث لا تكون مصطدمة معها، أو مهملة لمقتضياتها المادية والروحية، ومن ثم لم يقبل النبي -عليه الصلاة والسلام- أي سلوك شاذٍّ عنها، فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: رد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
بينما يرى الفكر الكنسي أن الذين خصوا أنفسهم لأجل ملكوت الله هم أعلى مرتبة، حيث يقول متَّى: لأنه يوجد خصيان وُلِدوا كذا من بطون أمهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات، من استطاع أن يقبل فليقبل.
أرأيت إلى انتكاسة الفطرة كيف تكون، بينما الإسلام يُعلن رفضه للرهبانية صراحة، فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أيضًا قال: لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء، بعث إليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: ((يا عثمان إني لم أُمر بالرهبانية، أرغبت عن سنتي؟))، قال: لا يا رسول الله. قال: ((إن من سنتي أن أصلي وأ نام، وأ صوم وأطعم، وأنكح، وأطلق، فمن رغب عن سنتي فليس مني، يا عثمان إن لأهلك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا))، ويقول -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحديث: ((أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء، وذكرك في