الانشغال بالأولاد عن الله -عز وجل- في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المنافقون: 9)، فالخسران حصل لهم بسبب الانشغال لا بسبب آخر، فالواقع يشهد أن وجود الأولاد قد يُحصل به الإنسان درجات من الرقي الأخلاقي في حالتي الحياة والموت، فإذا عاشت الذرية فلعل منهم من يُجاهد في سبيل الله ويحصل الشهادة، وإذا مات كان فرطًا لأبويه ينتفع به أبواه أو ينتفع هو بأبويه، ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))، وقد دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- لخادمه أنس -رضي الله عنه- استجابة لطلب أمه فدعا له قائلًا: ((اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيت)).
ومعلوم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما دعا له بخير، وحتى يوم القيامة ينعم الله على عباده فيقول: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد: 23، 24)، وقوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (الطور: 21).
ولم يكتفِ الإسلام وهو يقدم الدواء لهذا الداء ببيان مفهوم التبتل الصحيح ووسائله وجوهره، وكون الزواج من سنن المرسلين، وتمني الذرية شيء مغروس في الفطرة، ولم يكتفِ بذلك، بل عمد إلى النهي عن التبتل صراحة، وعدَّه غلوًّا في الدين يتنافى مع وسطية الإسلام، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يسألون عن عبادته، فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها -أي: عدوها قليلة- فقالوا: أين نحن من النبي -عليه الصلاة والسلام-