بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي عشر
(الديانة البوذية (5))
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فحدَّثتُك عن نشأة الرهبنة في البوذية وأصولها، وانتقالها إلى المسيحية، وآدابها ونظمها ونحو هذا، ثم أردفت الكلام عن وجهة نظر الإسلام في الرهبنة والرد عليها، وأن الإسلام حرمها ومنعها، وعدَّها بدعة من البدع التي اخترعها النصارى ومن سبقهم {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} (الحديد: 27).
ولما كان قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (المزمل: 8) من الآيات التي يمكن أن تُفهم خطأ بمعنى الرهبنة، فقد بينا الفرق بين التبتُّل الصحيح بمعنى الانقطاع إلى الله -عز وجل- في العبادة وإخلاص العبادة له، وبين الرهبنة المرفوضة أو التبتل المذموم بالعزوف عن الزواج، الذي جعله الله -عز وجل- آية وجعله نعمة، وجعله سبب عمران الكون، وسنة الأنبياء والمرسلين، ودأب الصالحين.
وأرى لزامًا علي أن أبين حكم الإسلام ووجهة نظره في معالم الرهبنة، من حيث العزوف عن الزواج، والدعوة إلى الفقر، والتسول، وما إلى ذلك من مظاهر، نبين فيها حكم العقل، وحكم الشرع في هذه المسألة التي قد يظنها الناس أنها من حسنات البوذية، ومن حسنات النصرانية، ومن سلك ملكهما وصار على ضربهما.
حدثتك أن الزواج نعمة من نعم الله -عز وجل- وأن اتصال الرجل بزوجته هو من أماثل الأعمال وأفضلها في الإسلام؛ لما يترتب عليها من كسر حدة الشهوة في الحلال، ولذلك جاء في الحديث قوله -عليه الصلاة والسلام: ((إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأتِ أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه))، أخرجه مسلم، وهكذا يعترف الإسلام بأمر الفترة عن طريق الوضع السوي لكل من الرجل والمرأة في إطار يرتضيه رب العالمين دون أن يعتبر إفضاء كل منهما للآخر داخل هذا الإطار، نافيًا من التدرج حتى في شخص الأنبياء دون أن يمنعهم ذلك من أهلية التلقي عن الله، والوحي إليهم، واصطفائهم، والإسلام يرفع هذا الحرج فيقول الله في القرآن: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (البقرة: 223)، كما يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام: ((وفي بضع أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر)) قالوا: نعم. فقال: ((كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر))، وقال -عليه الصلاة والسلام: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)).
ويؤكد الرسول -عليه الصلاة والسلام- على أن الزواج من سنن المرسلين فيقول -عليه الصلاة والسلام: ((أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطر، والسواك، والنكاح))، فالنكاح وآثاره من إنجاب الذُّرية من سنن الأنبياء، وهم المصطفون الأخيار، الذين لم تشغلهم أموالهم ولا أولادهم عن ذكر الله، ومن هنا جاء التحذير من