فقد أكد بوذا في كثير من كلامه خطورة الحياة المدنية، فمثلها مرة بالبحر الواسع المخيف، ومرة أخرى بالغابة المليئة بالحيوانات المفترسة والمدقق في كلام بوذا السابق؛ يلاحظ: أنه يقصد تخويف أتباعه من الحياة المدنية؛ ليلتحقوا معه بالرهبانية، وليبلغوا الهدف المزعوم بـ"النيرفانا" أي: السعادة في حياتهم الراهنة من أجل هذا تنادي البوذية بنظام الرهبنة، وتفرض على الرجال البوذيين أن يدخلوا فيها مرة في حياتهم. أما نساؤهم فرهبانيتهن على سبيل الاختيار لا على سبيل الإلزام.
ثانيا: تاريخ نشأة الرهبنة في البوذية:
يرجع تاريخ نشأة الرهبنة في البوذية إلى العصر البوذي الأول، أي: في النصف الأول من القرن السادس قبل الميلاد، وذلك عندما انتشرت في ذلك العصر مظاهر الرهبانية، وذلك بظهور عدد من النساك، والرهبان من البراهمة، والجينيين، واليوجيين وغيرهم، وكان هؤلاء ينقطعون إلى الغابات والكهوف متنسكين، ومبتعدين عن العالم؛ فبعضهم يستغرق في التأمل والتفكير في أسرار الحياة، وفك غوامضها، وبعضهم يتدرب على جميع أنواع التعب والمشقة؛ زاعمين أن ذلك تنقية للروح، وتحريرًا لها من القيود الجسمانية ومعوقاتها.
وكان كثير منهم ينتقلون من قريةٍ إلى قرية؛ لاستجداء الطعام يتجولون في القرى، والأرياف لنشر مبادئهم، وأفكارهم، وكانت الطبيعة والأجواء قد أملت عليهم ظاهرة التحمل، والصبر على المتاعب والمشاق، وكان من بين هؤلاء النساك الأمير "سيدهارتا" مؤسس البوذية.
فقد اتخذ الرهبانية شريعة له في الحياة منذ خروجه من القصر حتى آخر حياته، وتروي القصة البوذية: أن بوذا قد اتخذ حياة الزهد التقشف والنسك منذ