أين لك أن جيد شعر العجم في طبقة جودة شعر العرب، كما تقول: القمر أشد نورًا من النجوم، والشمس أشد نورًا من النجوم، فالشمس والقمر اشتركَا في الفضيلة على النجوم، ولكنهما في نفسيهما لا يستويان مثلًا، فهل جيد العجم مثل جيد العرب كوصف امرئ القيس في الخيل والنابغة في الاعتذار وزهير في المدائح، والأعشى في الخمر، أو كجيد جرير والفرزدق والأخطل وبشار بن بُرد ومسلم بن الوليد وأبي نواس، وديك الجن والحسين بن الضحاك والمتنبي وأبي تمام والبحتري وابن الرومي وابن المعتز وأبي فراس وغيرهم.
وإلى هذا العصر وما بين ذلك من الشعراء الذين تغرق قطرات العجم في لغتهم، حتى إنه يقول: إن ذلك كله جيد لا يعاب، هل يستويان مثلًا في الجودة من حيث هي؟ وإنما قل الجيد في الشعر؛ لأن البلغاء وعلماء الأدب انتقوا الجيد العالي الذي يكون في الفصاحة والبلاغة، وجعلوه أنموذجًا ومثالًا يحذى على ما قرروه بقوة فكرهم، وصحة انتقادهم، فكان ذلك الجيد في الطبقة العليا، ولا جرم أن الساقط من الشعر أكثر من العالي عند أئمة البلاغة، وإلا فعلى الحقيقة الذي يعده أرباب البلاغة من ساقط الشعر يكون جيدًا عند غيرهم غير معيب، إلا ما هو ساقط إلى الغاية، وهذه النكتة هي العلة في قلة الجيد من الشعر، ومن أين في شعر العجم ما في شعر العرب من المجاز والاستعارة والكناية والتشبيه والتورية، والاستخدام والجناس على اختلاف كل نوع من هذه الأنواع، وتشعب أقسامه إلى غير ذلك من أنواع البديع، وهو ما يقارب المائة نوع ولا هيهات ما بينهما صيغة أفعل.