وذكر الحصري في (زهر الآداب): أن أعرابيًّا قال لشاعر من أهل الفرس: الشعر للعرب وكل من يقول الشعر منكم، فإنما نَزَا على أمه رجل منا. انتهى.
وقد أنصف ابن خلف في قوله:
وللعرب بيت وديوان ... وللعجم قصر وإيوان
وأما دعواه أن الشاعر لا يحسن في الأكثر فالعذر في ذلك ظاهر؛ لأنه في ضائقتين شديدتين إلى الغاية وهما الوزن ولزوم الروي الواحد، والناثر غير مضطر إلى شيء منهما، بل هو مخلى ونفسه إن شاء أتى بسجعتين على حرف واحد، وإن شاء على أكثر وإن شاء أتى بالسجعة على عشرين كلمة، أو على أقل إلى كلمتين، ولو أتى الكاتب برسالة مطولة على حرف واحد في سجي، وعدد مخصوص من كلمات السجع لكان حاله حال الشاعر، بل كان كلامه أسمج وأثقل على الأسماع والقلوب؛ لأن الشعر يروجه الوزن ولا كذلك النثر، فحينئذٍ لا يصلح هذا أن يكون فضيلة في النثر على النظم.
وليكن ها هنا آخر ما أردته من الكلام على (المثل السائر)، وقد سامحته في كثير سقطه فيه ظاهر.
ولا ريب في أن هذا النص يشهد للصفدي، وهذه ميزة في معظم علمائنا القدامى بسعة الاطلاع، وحضور الشواهد على مد ذراعه، رغم أنه كان يعيش في عصر لا يعرف المشباك -أي: الإنترنت- ولا الفهارس، وبالمثل لا بد من التنبيه عنده إلى روح الحب الغلاب للعرب، وكل ما يتصل بهم من لغة وأدب وفكر، لكني لا أستطيع أن أشاركه الزعم بأن الآداب الأخرى تخلو من التشابيه والاستعارات والكنايات، وإن كان كلامه في البديع لا ينطبق عليه هذا، إذ يبدو لي أن لساننا في عصور معينة منه على الأقل قد استعمل المحسنات البديعية أكثر جدًّا مما فعل أي أدب آخر مما نعرف، وعلى كل، فإن هذا النص هو من النصوص الكاشفة في ميدان المقارنات الأدبية في نقلنا القديم.