الدمشقي عرف بابن الدجاجية، نظم كتاب (المهذب) قصيدة على روي الراء، سماها (البديعة في أحكام الشريعة). انتهى.
قلت: و (المهذب) في أربع مجلدات وبعض المغاربة امتدح سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قصيدة عدتها ثمانية عشر ألف بيت، ولابن الهبارية كتاب (الصادح والباغ) في ألف بيت، كل بيت منها قصر مشيد ونكته ما عليها في الحسن مزيد، يشتمل على الحكايات والنوادر والأمثال والحكم وكلها في غاية الفصاحة والبلاغة، ليس فيها لو ولا ليت، وأما من نظم الألف وما دونه فكثير جدًّا لا يبلغهم الحصر، وأما (الشاطبية) وما اشتملت عليه من معرفة القراءات السبع واختلافها، وتلك الرموز التي ظاهرها الغزل وباطنها العلم، فكتاب اشتهر وظهر وخلب سحره الألباب وبهر، وأما أراجيز النحو والعروض والفقه كالذي نظم الوجيز ومنظومة الحنفية وغير ذلك من الطب وغيره من العلوم فكثير جدًّا إلى الغاية التي لا يحيط بها الوصف.
وما سمعنا بمن اشتغل من العجم بالعربية، إلا وفضل اللغة العربية، برهان هذه الدعوة أن أبا علي الفارسي وبندار وأبا حاتم والزمخشري، وغير هؤلاء، لما اشتغلوا بالعربية وذاقوا حلاوتها هاموا بها وكلفوا بمحاسنها، وأفنوا الليالي والأيام في تحصيلها، وأنفقوا مدة العمر في تأليفها وتدوينها، وتتبع محاسنها وقواعد أقيستها وغرائب فنونها، ومن المستحيل أن يكون هؤلاء القوم اجتهدوا هذا الاجتهاد في العربية، وأفنوا مدة العمر وهي ما لا يخلف في شيء هو دون غيره، والأولى بهم وبكل عاقل الاشتغال بالأحسن والأفصح والأبلغ والأحكم، ولو علم هؤلاء القوم أن اللغة الأعجمية لها أفعل التفضيل ما عرجوا على العربية، إلا ريثما عرفوها ثم عادوا إلى لغتهم.