فعل الفردوسي في نظم الكتاب المعروف (بشاه نامه)، وهو ستون ألف بيت من الشعر يشتمل على تاريخ الفرس، وهو قرآن القوم، وقد أجمع فصحاؤهم على أنه ليس في لغاتهم أفصح منه، وهذا لا يوجد في اللغة العربية على اتساعها وتشعب فنونها وأغراضها، وعلى أن لغة العجم بالنسبة إليها كقطرة من بحر.
وكذلك عثرت على النص التالي أثناء تجوالي في تراثنا الأدبي والنقدي للحصول على أكبر قدر من النصوص المقارنة فيه، وهو يتعلق أيضًا بـ (الشاه نامه)، الذي ألفه للرد على بعض ما جاء في كتاب ابن الأثير، وهو يجري على النحو التالي قال -أي: ابن الأثير في تفضيل النثر على النظم في آخر الكتاب-: إن الشاعر إذا أراد أن يشرح أمورًا متعددة ذوات معان مختلفة في شعره، واحتاج إلى الإطالة بأن ينظم مائتي بيت أو ثلاثمائة أو أكثر من ذلك، فإنه لا يجيد في الجميع ولا في الكثير منه، بل يجيد في جزء قليل والكثير من ذلك رديء غير مرضي، والكاتب لا يؤتى من ذلك بل يطيل في الكتاب الواحد إطالة واسعة تبلغ عشر طبقات من القراطيس أو أكثر، وتكون مشتملة على ثلاثمائة سطر أو أربعمائة أو خمسمائة، وهو مجيد في ذلك كله، وهذا لا نزاع فيه؛ لأننا رأيناه وقلناه.
وعلى هذا، فإني وجدت العجم يفضلون العرب في هذه النكتة المشار إليها، فإن شاعرهم يذكر كتابًا مصنفًا من أوله إلى آخره شعرًا، وهو شرح قصص وأحوال يكون مع ذلك في غاية الفصاحة والبلاغة في لغة القوم كما فعل الفردوسي في نظم كتابه المعروف (شاه نامه)، وهو ستون ألف بيت من الشعر يشتمل على تاريخ الفرس، وهو قرآن القوم، وقد أجمع فصحاؤهم على أنه ليس في لغتهم أفصح منه، وهذا لا يوجد في اللغة العربية على اتساعها وتشعب فنونها وأغراضها، وعلى أن لغة العرب بالنسبة إليها كقطرة من بحر.
أقول -والكلام هنا لصلاح الدين الصفدي-: قد ختم ابن الأثير -رحمه الله تعالى- كتابه بهذه النكتة، التي مال فيها إلى الشعوبية، وما قال معمر بن المثنى ولا سهل بن هارون ولا ابن غرثيا في رسالته مثل هذا، وقد وجد في أهل اللسان العربي من نظم الكثير أيضًا، وإن عد هو الفردوسي عددت له مثل ذلك جماعة، منهم من نظم تاريخ المسعودي نظمًا في غاية الحسن، ومنهم من نظم كتاب (كليلة ودمنة) في عشرة آلاف بيت، ونظمها أبان اللاحقي أيضًا، وأخبرني الشيخ الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد الذهبي أن مكي بن أبي محمد بن محمد بن أبيه