السياق في الكلام وفي غير الكلام أيضًا، وهو ما يعرف الآن بنظرية السياق معولًا كبيرًا.
بَيْدَ أننا كنا نؤثر لو استطاع الجاحظ أن يورد لنا صاحب كل قول من هذه الأقوال، وموقعه من ثقافة أمته وأدبها، لكنه للأسف لم يفعل، المهم أن النص الذي أمامنا الآن هو من نصوص الدراسة المقارنة المبكرة والهامة في تراثنا النقدي.
وفي هذا السياق من المقارنة بين الأدب العربي في بعض خصائصه، وبعض الآداب الأجنبية نورد هذا النص المهم من (المثل السائر) لابن الأثير في مسألة طول القصائد وقصرها بين الشعر العربي ونظيره الفارسي، إذ كان ابن الأثير يوازن بين فني النثر والشعر، ويرصد الفروق بينهما إلى أن أتى إلى مسألة التطويل والتقصير، فقال: إنه مما لا يحسن في الذوق العربي أن يطول الشاعر قصائده ويشقق المعاني، ويستوفي الكلام فيها مما هو أليق بالنثر، وهنا ينطلق في موازنة بين العرب والفرس في تلك النقطة، قائلًا: إن الشاعر إذا أراد أن يشرح أمورًا متعددة ذوات معان مختلفة في شعره، واحتاج إلى الإطالة بأن ينظم مائتي بيت أو ثلاثمائة، أو أكثر من ذلك فإنه لا يجيد في الجميع ولا في الكثير منه، بل يجيد في جزء قليل، والكثير من ذلك رديء غير مرضي.
والكاتب لا يؤتى من ذلك -يقصد الناثر- بل يطيل الكتاب الواحد إطالة واسعة تبلغ عشر طبقات من القراطيس أو أكثر، وتكون مشتملة على ثلاثمائة سطر أو أربعمائة أو خمسمائة، وهو مجيد في ذلك كله، وهذا لا نزاعَ فيه؛ لأننا رأيناه وسمعناه وقلناه، وعلى هذا فإني وجدت العجم يفضلون العرب في هذه النكتة المشار إليها، فإن شعرهم يذكر كتابًا مصنفًا من أوله إلى آخره شعرًا وهو شرح قصص وأحوال، ويكون مع ذلك في غاية الفصاحة والبلاغة في لغة القوم، كما