تسربها إلى الشعر العربي أحيانًا من خارج حدوده، ما جاء في ترجمة أمية بن أبي الصلت من كتاب (طبقات الشعراء) لابن سلام من قوله: وكان أمية بن أبي الصلت كثير العجائب يذكر في شعره خلق السماوات والأرض، ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء وكان قد شام أهل الكتاب.
فابن سلَّام يتنبه إلى ما يسمى في الأدب المقارن بقضية التأثير والتأثر بين ثقافات الأمم المختلفة، إذ يرى ناقدنا القديم أن أمية بن أبي الصلت قد خرج على اهتمامات الشعراء الجاهليين، فأخذ يتكلم عن خلق السماوات والأرض وعن الملائكة وما إلى هذا، ولم يبال بالوقوف على الأطلال ووصف البادية وحيوانها، وأن السبب في ذلك هو مخالطته لأهل الكتاب بخلاف شعراء الجاهلية، الذين كانوا وثنيين ولا يهتمون بالتعرف إلى ثقافات الآخرين؛ ولهذا جاء شعرهم جميعًا ماءً واحدًا، بخلاف شعر أمية بن أبي الصلت على ما وصفه ابن سلام.
وقد مضى كل من ابن قتيبة في (الشعر والشعراء) وأبي الفرج الأصفهاني في (الأغاني) خطوة أبعد في الكلام عن تلك السمات المميزة لشعر ابن أبي الصلت، جاء في (الأغاني): أن أمية كان يستعمل في شعره كلمات غريبة، إذ قال: كان أمية بن أبي الصلت قد قرأ كتاب الله -عز وجل- الأول فكان يأتي في شعره بأشياء لا تعرفها العرب، فمنها قوله: قمر وساهور يسل ويغمد، وسماه في موضع آخر التغرور فقال: وأيده التغرور، وقال ابن قتيبة: وعلماؤنا لا يحتجون بشيء من شعره لهذه العلة، وقد شرح ابن قتيبة في كتابه (الشعر والشعراء) بعض هذه الألفاظ قائلًا: وقد كان قرأ الكتب المتقدمة من كتب الله -جل وعز- وكان يحكي في شعره قصص الأنبياء، ويأتي بألفاظ كثيرة لا تعرفها العرب يأخذها من الكتب المتقدمة، وبأحاديث من أحاديث أهل الكتاب، ومنها قوله: قمر وساهور يسل ويغمد،