أقول هذا رغم شمول التغطية في كتاب الدكتور مكي، وتوسعه في عدد من القضايا وجاذبية عرضه وحلاوة أسلوبه، وإن لم تعمنا تلك الفضائل عن عدم مبالاته بذكر مراجعه أولًا بأول في أسفل كل صفحة إلا على سبيل الاستثناء، رغم اتكائه كثيرًا على الكتب المشهورة من ذلك الميدان، كما هو بين من قائمة الكتب الطويلة، التي أثبتها في آخر الكتاب، وكذلك عن بعض الهنات النحوية.
والسؤال الآن هو: هل في كتاباتنا النقدية القديمة ما يمكن أن يمثل بذورًا لذلك اللون من الدراسة الأدبية؟ لقد خصص الدكتور مكي بعد ذلك في كتابه (في الأدب المقارن دراسات نظرية وتطبيقية) فصلًا ممتعًا، وهو في الأصل مقال كان قد نشره قبلًا في إحدى المجلات عنوانه: الجاحظ والأدب المقارن، أورد فيه بعض النصوص الجاحظية التي تدور حول المقارنة بين بعض جوانب الأدب العربي، وما يقابلها في أدب هذه الأمة أو تلك، وهي نصوص مهمة ولا شك. ويحمد الأستاذ الدكتور صنيعه هذا كثيرًا، لكني كنت أحب أن يضم كتابه الضخم الشامل (الأدب المقارن أصوله، وتطوره، ومناهجه) فصلًا كبيرًا في هذا الموضوع يجول فيه جولة أوسع في التراث العربي، يبحث عن نصوص أخرى مشابهة بأقلام كتاب آخرين، لكنه للأسف لم يفعل، وهو ما دفعني إلى محاولة القيام بالأمر بنفسي لأرى أكان الجاحظ بدعًا في ذلك، كما يفهم من كلام الدكتور أم إن المسألة أوسع من هذا.
لقد طفت بخاطري طوفة سريعة في تراثنا النقدي والبلاغي، فاستطعت أن أتذكر كثيرًا من النصوص المقارنة إلى جانب ما عثرت به من نصوص في غاية الأهمية، أثناء كتابتي بذلك الموضوع مما يعد مع ذلك قطعًا متناثرة لا سلسلة متصلة من المؤلفين وكتاباتهم، ومن الأشياء التي استطاع الكتاب العرب القدماء رصد