على سبيل الاحتمال، أفلا تستحق المقارنة بين الذوقين والأسلوبين، وتقويم العناصر الفنية في الأثرين الأدبيين أن نقوم بمثل تلك المقارنة، على الأقل تنشيطًا لعملية الأخذ والرد بين الأدبين، وتلقيحًا لكل منهما بعناصر القوة والجمال في الآخر، وإغناء لعملية الإبداع والتذوق بهذه الطريقة، ومن ثم قيام صلات أدبية بينهما تخلق خلقًا من هذا السبيل، واستكشافًا للعوامل التي تقف خلف نقاط القوة أو الضعف؟ وهل هي راجعة إلى ظروف المبدع الشخصية أو هي بالأحرى ترجع إلى خصائص البيئة والأمة التي ينتسب إليها؟
أم ترى ينبغي أن ننتظر قيام مثل تلك الصلات أولًا، حتى إذا قامت وتيقنا من قيامها ووقوع التأثير والتأثر بين الطرفين، فعندئذٍ وعندئذٍ فقط يمكننا أن نتقدم ونقوم بعملية المقارنة. أما أنا فأحبذ مبادرة الأمور والعمل على خلق مثل تلك الصلات عن طريق المقارنات الاستباقية هذه، ومن ثم لا أجد أية غضاضة فيما صنعه شفيق جبري مثلًا في مقالاته في مجلة "الثقافة" المصرية، عام ألف وتسعمائة وتسعة وثلاثين ميلادية، من المقارنة النقدية بين بحرية كل من البحتري و"لامرتين" والأخرى، وبين بخلاء الجاحظ وبخيل "موليير"، ولا ما صنعه الدكتور صفاء خلوصي من المقارنة بين البحيرتين العربية والفرنسية، ولا ما صنعه الدكتور عبد الرزاق حميدة في كتابه (الأدب المقارن) حين وازن بين (رسالة الغفران) للمعري و (الكوميديا الإنسانية) لـ"دانتي"، مقارنة جمادية خالصة، فلا حديث عن تأثر أو تأثير بين العملين.
ثم ألا يستحق البحث عن السر في وجود تشابه بين عملين أدبيين دون أن يكون بينهما أية صلة عناء المقارنة بينهما، تأكيدًا بأن هناك ضروبًا بين التشابه بين