البشر على اختلاف بيئاتهم وثقافاتهم وأجناسهم، لقد كان المرحوم محمد غنيمي هلال وأنور لوقا مثلًا من المتشيعين للمنهج الفرنسي في الأدب المقارن، وما زال هناك من يأخذ بوجهة نظر هذه المدرسة لا يرى مما عداها شيئًا، ومنهم الدكتور محمد سعيد جمال الدين، كما يتبدى ذلك في كتابه الأدب (المقارن دراسة تطبيقية في الأدبين العربي والفرنسي)، وهناك على العكس من هذا من يتشيع للمنهج الأمريكي متمثلًا فيما كتبه "رينيه وليك"، الذي وسع دائرة ذلك الحقل، كما تعكسها الفصول الخاصة بهذا الموضوع في كتابه (مفاهيم نقدية).
فلم يقصرها على مجالات التأثير والتأثر، التي تقتضي وجود صلات تاريخية بين طرفي المقاومة، وغالبًا ما يكون التشيع الذي من هذا القبيل مجرد تعصب للمدرسة التي سبقت معرفة الدارس لها أو درس على يد أحد أعلامها مثلًا، والأجدر بنا ألا تكون هجيرانا التعصب لهذا أو لذاك لمجرد التعصب، بل أن نفكر بأنفسنا لأنفسنا مستعينين بما بلغه السابقون من أمتنا، ومن خارج أمتنا، ومجتهدين أن يكون لنا رأينا، وموقفنا المتميز لا لمجرد إثبات الذات، بل لعرض ما نحن مقتنعون به، ومطمئنون إليه مشاركة منا في النشاط الفكري العالمي بحيث لا يكون كل ما نعمله هو ترديدًا لما يقوله الآخرون ونشره.
إن ما يقوله هذا أو ذاك من الباحثين الغربيين ليس قرآنًا مقدسًا ينبغي أن نخر عليه صمًّا وعميًا وبكمًا، بل إن القرآن نفسه لا يطالب البشر بأن يخروا عليه مؤمنين دون تفكير أو إعمال عقل، فما بالنا بنظريات في الأدب والنقد هي من نتاج العقل البشري غير المعصوم، وعلى هذا فإني لا أقصر مجال الأدب المقارن على الأدبين اللذين قد ثبت أن بينهما صلات تاريخية، بل أنادي بتمديده ليشمل دراسة أي أدبين بينهما وجه أو أكثر من وجوه الشبه أو الاختلاف؛ لمعرفة