يشغلهم أدبنا في شيء، ويصيخا بكل سمعهما وانتباهما إلى وقع تلك الخطوات، وكأنها المثال الأعلى.
وإن كان من الممكن في نظر البعض التماس العذر لهما، فنحن قد دخلنا ميدان هذا العلم على أيدي الغربيين، ومن ثم كان الرواد منا في هذا المجال يحسون بوطأة هذه اليد، ولا يفكرون أن يقاوموها، فكانوا يرددون ما يقوله الغربيون، ولا يريدون أن يخرجوا عنه، على أساس أنهم أصحاب الفضل وأنه ليس من المعقول إنكار فضلهم، إذ نحن لا نزيد عن أن نكون مجرد تلامذة تابعين، ولا يليق أن يخرج التلميذ عن طوع أستاذه، رغم أن مثل هذه المحاولة التي كنا ننتظرها منهم لا تدخل في باب التمرد ولا جحد اليد، بل بالأحرى في باب التكامل والتعاون والاستدراك المغني لا الإنكار المجحف.
وإذا كان نَتَفَهَّمُ موقف الدكتور محمد غنيمي هلال؛ لأنه جاء مبكرًا، فكان عليه أن يركز على نقل كل ما عند الغربيين؛ حتى نكون على بينة منه، فإن الأمر يختلف مع الدكتور مكي، الذي أتى بعد أن استتبت الأمور كثيرًا، وخفت تلك اللهفة التي تصيب من يريد متابعة شيء جديد، وأصبح مقدار كبير من الدراسات والبحوث، وعقد كثير من الندوات والمؤتمرات، وتخرجت أجيال بعد أجيال من الطلاب الذين درسوا الأدب المقارن، وتغلغلت جذور ذلك التخصص في تربتنا الجامعية، ولم يكن ثمة إمكانية للتراجع، لقد كتب الدكتور هلال كتابه في أوائل الخمسينيات من القرن الفائت، على حين كتب الدكتور مكي كتابه في النصف الثاني من ثمانينات ذلك القرن أي: أن هناك فاصلًا بين الكتابين يقدر بعشرات السنين، وهي مدة ليست بالهينة.