عيونهم، فلا يروا الحقيقة في نصوعها، كذلك لا يصح أن نغفل أن الغربيين الذين صدروا إلينا، أو بالأحرى يبدو أنهم صدروا إلينا علم الأدب المقارن، ورغم حديثهم الكثير والمستديم عن العالمية والإنسانية لا يهملون قومياتهم لحظةً من نهار أو ليل، وفضلًا عن ذلك فإننا في بلاد العروبة والإسلام لم نغل في شعورنا القومي كما غلوا، ولم نجحف بحق الآخرين كما أجحفوا، وما زالوا.
وقد عرف المؤلف القومية الثقافية وهي التي تهم الباحثين من أمثالنا بأنها تعني لغة واحدة، وبيئة جغرافية متجاورة وتاريخًا مشتركًا وغير ذلك، مما يشكل في النهاية مجموعة من الملامح الثقافية تميز إنسان المنطقة، وتمثل خلفية فكرية وراء ردود أفعاله، ثم يضيف قائلًا: إن القومية على هذا الوضع لا تتنافَى مع الإسلام في شيء، بل هما كوجهي العملة الواحدة لا يستغني أحدهما عن الآخر، وهو يؤكد أن الإسلام أو أي دين آخر عندما يظهر، فإنه لا يظهر في الفراغ، بل في بقعة من الأرض معينة، وبين قوم من أقوام الأرض معينين.
وهذا الكلام الأخير كلام صحيح، ولكني أود أن أوضح أن العَلاقة بين العروبة والإسلام ليست كالعلاقة بين وجهي العملة الواحدة، بل الحقيقة هي أن دائرة القومية تنطوي في دائرة الإسلام الأوسع، التي تشتمل على قوميات متعددة بعدد الأمم التي تعتنقه، فهي جزء من الإسلام وليست كيانًا مستقلًّا يواجهه ويكمله، والعبرة بألا تغلو تلك القوميات في إحساسها بنفسها فتطغى على رابطة الإسلام، وإلا كان هناك خطأ غير هين ينبغي تداركه بسرعة والعودة إلى نقطة السلامة.
ثم إن ظهور الإسلام في بلاد العرب، وكذلك عروبة نبيه ولغته نفسها كل ذلك ليس إلا الخطوة الأولى، التي أعقبتها خطوات واسعة انداح معها الإسلام إلى خارج دياره، وصار دينًا عالميًّا، نعم، لا ينبغي أبدأ أن نغفل عن الدور الكريم