وقد يمضي أبعد من هذا كما فعل أبو نواس في بعض أشعاره؛ فيصل إلى حد التقزيز ومثله الهجاء، إذ كان منه هجاء بالأحساب أو بالعيوب النفسية والخلقية، كما كان الحال في الجاهلية، ومنه الهجاء بالعيوب الجسدية، ومنه الهجاء السياسي، وقد بدأ في العصر الأموي، ومنه الهجاء بالكلام البذيء، وهو ما عرفه الشعر العربي في العصر العباسي، وفي ميدان الخمر كان هناك من يجاهر بشربها، وبأنه يجد لذة في ارتكاب معصيتها غير مبال بشيء، ومن كان يلم بالإشارة إليها مكتفيًا بذلك مما يمكن أن يكون معناه أنه لم يكن من شاربيها، بل يجري على تقليد فني لا أكثر ولا أقل، ومن لا يأتي على ذكرها من قريب أو بعيد.
وفي ميدان المديح كان هناك الشعراء المعتدلون، كما كان هناك المغالون الذين قد يخرجون بممدوحيهم من نطاق البشرية؛ فيخلعون عليهم بعض الصفات الإلهية، كما هو الحال في مدائح ابن هانئ الأندلسي للمعز لدين الله الفاطمي بتأثير من العقيدة الإسماعيلية، التي كان الشاعر وممدوحه يعتنقانها، وإن لم ينتشر هذا اللون الجامح السخيف من المدائح، لكن الغالب في كل ذلك هو التمسك حقيقة أو ادعاء صراحة، أو ضمنًا بقيم الإسلام ومبادئه؛ حتى إننا لا نجد شيئًا من الشعر يعلن فيه الشاعر كفره أو ينال من الإسلام وتاريخه، فضلًا عن أن يصدر منه في حق النبي والصحابة أية إساءة، أما من كان يصر على أن يعرف الناس عنه أنه يشرب الخمر ويتفانى في شربها، فإنه كان يريد استفزاز الناس من حوله لوجدانه لذة في ذلك، لا إعلان تمرده على أحكام الدين ورغبته في التفلت من شرائعه.
على أن الشاعر في هذا كله كان حريصًا على أن يكون واضحًا مفهومًا، فلا استغلاق في شعره ولا إلغاز، اللهم إلا في العصور المتأخرة حين يتعمد بعضهم