ناحية تمييز القصائد بعضها عن بعض لم يكن هناك عناوين للأشعار على خلاف النثر من كتب ورسائل وقصص إلى آخره، وكانوا إذا أرادوا أن يشيروا إلى قصيدة من القصائد المشهورة قالوا: بائية أبي تمام، وسينية البحتري، ونونية ابن زيدون، وميمية المتنبي، على رغم أنه قد يكون للشاعر أكثر من قصيدة على هذا الحرف، ذلك أن شهرتها تدفع الذهن إلى ناحيتها دفعًا، فيعرف السامع أو القارئ أن المقصود بها هو تلك القصيدة لا غيرها من القصائد، التي على نفس رويها، أما في القصائد الأخرى، فكان يقدم لها عادة بعبارة وقال يمدح أو يهجو أو يرثي فلانًا، وهذا كل ما هنالك.
ولكن الأمر اختلف في العصر الحديث بتأثير الشعر الغربي، الذي كانت قصائده تعرف العناوين من قبل اتصالنا به، فعرفت قصائدنا العناوين هي أيضًا، وبخاصة أنها أمست لا تدور حول أكثر من موضوع واحد، كذلك دخل شعرنا ما يسمى بالقصائد والأناشيد الوطنية، وهو موضوع لم يعرفه الشعر العربي إذ لم يكن المسلمون ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم شعوبًا وأوطانا متميزة، بل على أنهم جميعًا يمثلون أمة واحدة رغم اختلاف الديار والحكام، وبالمثل استجد شعر التأملات الفكرية والاستبطانات النفسية، والتهاويم الذهنية، وكذلك الاستعانة بالأساطير الوثنية الشرقية والإغريقية، مما لم يكن الشعراء العرب يفكرون فيه.
وفي ميدان الغزل كان هناك الغزل العفيف والغزل المفحش، والغزل المعتاد الذي يتغنى بالمرأة وبجمالها، وما يفعله هذا الجمال بالقلوب واصفًا جسد المرأة دون إفحاش رغم ذلك، وكان هناك كذلك الغزل بالغلمان، الذي قد يكتفي فيه الشاعر بالحديث عن هيامه بغلام من الغلمان، وتصوير سدود الحبيب والعذاب، الذي يصطليه جراء ذلك غير متحرج في تلك الأثناء من وصف جماله ووجه الفتنة فيه.