شعرهم، كما تراهم يتهافتون أشد التهافت على النقاد؛ ليكتبوا عنه وعنهم، وكثيرًا ما نرى أولئك النقاد الذين يزعمون أن لغة الشعر ليست للتوصيل، ولا للتواصل، وهم يجحرون ويتصببون عرقًا في تفسير ما يقصده الشاعر من معنى، وهذا أكبر دليل على عظم التدليس الذي ينتهجه الفريقان كلاهما في حديثهم عن فن الشعر.
أما في نصوص هذا الصنف من الشعراء، التي ما زالت تقول شيئًا مفهومًا، فقد انحدرت في كثير من الأحيان إلى العدوان على قيمنا الخلقية والدينية، التي نعتز بها كل الاعتزاز، نعم، قد انتهى الشعر العربي أو كاد أن ينتهي في أيدي هؤلاء الشعراء إلى طريق مسدود بعد أن قضوا على كل ما هو نضر فيه، فلم يعد له في معظم ما يكتبون معنًى ولا نغمًا، ولا فيه شعور، وأضحى كنشارة الخشب على القارئ أن يمضغها ويتجرعها، ويعمل المستحيل كي يسيغها. وهيهات ثم هيها!!
وبالنسبة إلى موضوعات القصيدة كان هناك المديح والهجاء والرثاء والخمر والحماسة والغزل والغلمان إلى آخره، ولم تكن كل هذه الموضوعات موجودة منذ البداية، فالمديح مثلًا لم يظهر إلا في أواخر العصر الجاهلي على حين أن شعر الغلمان لم يعرفه العرب، إلا في العصر العباسي بتأثير فارسي حسبما لاحظ الدارسون، كذلك جد في العصور العباسية المتأخرة شعر التصوف والمدائح النبوية، وهو ما لم يكن يعرفه الشعر العربي قبل ذلك تقريبًا.
ولم تعرف القصيدة العربية باختصار على الغزل أو وصف الخمر إلا في العصر الأموي، كما غلب على القصيدة العربية في نصوصها المبكرة تعدد الموضوعات، أما بعد ذلك فما أكثر ما وجدنا القصيدة تنفرد بموضوعها لا يشركه فيها موضوع آخر، لكن ذلك لم يصبح ملمحًا ثابتًا للقصيدة العربية، إلا في العصر الحديث، ومن