ثم عرفنا في العصر الحديث ما يسمى بالشعر الجديد أو شعر التفعيلة، الذي يقوم على نظام السطور لا الأبيات، حيث يتكون كل سطر من تكرار تفعيلة بعينها تكرارًا اعتباطيًّا، فمرة يكون السطر عبارة عن تفعيلة واحدة، ومرة يكون ستًّا أو سبعًا أو ثلاثًا أو اثنتين حسبما يعن للناظم أن يقف، ويستأنف نظمه في سطر جديد، وأحيانًا ما يكون في القصيدة الواحدة أكثر من تفعيلة، وعلى ذات الشاكلة تفتقر القصيدة التفعيلية إلى نظام قافوي معروف، إذ الشاعر حر في أن يقفي متى شاء، وأن يترك التقفية متى شاء، مثلما يمكنه التنويع في القافية على النحو الذي يشاء.
ومن هنا خفت نغم القصيدة، وظل يخفت رويدًا رويدًا حتى مات في كثير من القصائد، فانتفى عنها الشعر، وأضحينا أمام جثث يزعم أصحابها ومن يرافؤنهم من النقاد على هذا العبث، والإفساد المزاعم الطويلة العريضة التي تصم الآذان، إلا أنها لا تجدي فتيلًا إزاء تلك الجثث التي خلت من الحياة والحيوية، فإذا أضفنا إلى هذا ما أصبح ملمحًا بارزًا من ملامح كثير من نصوص هذا الشعر في الفترة الأخيرة، وهو الغموض الذي يبلغ حد الاستغلاق تبين لنا حجم الكارثة، التي نزلت بالشعر العربي على أيدي هؤلاء المغرمين بالتدمير والتجريف، في الوقت الذي يملأون الدنيا صياحًا بأنهم إنما يعملون على إنقاذ الشعر العربي من المأزق الذي وقع فيه، على حين هم أنفسهم مأزق هذا الشعر، ومصيبته وبلواه، إذ صار الشعر على أيديهم فاقدًا للمعنى، والوزن والقافية، واقترب في حالات كثيرة من الهلوسات والبهلوانيات.
فإذا اعترضت بأن هذا ليس بشعر أجابوك بأن الشعر لم يخلق ليقول شيئًا، بل ليلعب الشعر بالكلمات وحسب، ومع هذا، فلهم مغرمين غرامًا عجيبًا بإذاعة