وهكذا ينبغي أن يكون كل من الأديب الذي يأخذ عن الآداب الأخرى، والدارس المقارن الذي يتناول بالبحث هذا الأخذ عن الآداب الأخرى، على ذكر من هذا كله؛ حتى لا تنجر قدماه إلى الرمال المتحركة المهلكة، وهو يظن أنه سائر في الطريق والاتجاه الصحيحين دون أن يعرف أنه إنما يسيء صنعًا.
وأما من ناحية الأجناس الأدبية فلدينا في تراثنا الشعر والقصة والمقامة والخطبة والرسالة والرحلة إلى آخره، ولسوف نقصر الكلام على الشعر والقصص مجتزئين بهما عن سائر الفنون:
ونبدأ بالكلام عن الشعر الذي كان كله حتى العصر الحديث شعرًا غنائيًّا "لرك" كما هو معروف، وكانت القصيدة في بداية أمرها ولعدة قرون تتكون من أبيات كل منها ينقسم إلى شطرين متساويين، ويختلف عدد أبيات كل قصيدة عن الأخرى بدءًا من سبعة أبيات؛ لأن ما دون ذلك يسمى مقطوعة أو نتفة إلى بضع عشرات منها غالبًا، وإن أطال بعض الشعراء كابن الرومي قصائدهم أحيانًا إلى بضع مئات من الأبيات.
كما كانت القصيدة تجري من أولها إلى آخرها على وزن واحد في شكل واحد من أشكاله، وعلى قافية واحدة مهما طالت أو قصرت، ثم ظهرت الموشحات بعد بضعة قرون، وازدهرت في الأندلس ازدهارًا واسعًا، وظهرت كذلك الرباعيات والمزدوجات والمخمسات، وما إلى ذلك، ولكن الشعر العربي في كل هذا كان يصب في البحور الخليلية، أيًّا كان الشكل الفني الذي يصب فيه، سواء كان قصيدة أو موشحة أو رباعية إلى آخره.