الفصحى في كل شيء سردًا وحوارًا ووصفًا، فهذه سمة من سمات الأدب العربي التي ينبغي الحفاظ عليها، وعدم التهاون فيها وسمة أخرى لذلك الأدب ينبغي الحفاظ عليها، ألا وهي ألا تقوم بين المبدع والقارئ تلك الأسوار العالية الصلبة التي لا يمكن اختراقها، وبالتالي لا يمكن أن يفهم القارئ إبداع المبدعين، لقد كان الشاعر العربي على مر العصور حريصًا على أن يكون واضحًا مفهومًا، فلا استغلاق في شعره ولا إلغاز، اللهم إلا في العصور المتأخرة حين يتعمد بعضهم النظم في لغز تعمدًا تسلية للقارئ ليس إلا.
أما في العصر الحديث، فكما سبق القول: أصبح الغموض عند فريق من الأدباء غرضًا يقصد قصدًا كأنه قيمة في ذاته؛ وذلك بتأثير بعض المذاهب الأدبية التي أفرزها تاريخ الآداب الغربية، وتأثرنا نحن بها، تلك المذاهب التي يرجعها المرحوم أنور الجندي إلى طبيعة البلاد الغربية ذات الجبال والغيوب والعواصف، والليل البهيم المرتبط بالأساطير والرمزية على عكس طبيعة بلاد العرب، التي ينتشر فيها النور والشمس والضوء، وينكشف فيها الأفق تمامًا، ومن ثَم عجزت الأساطير والرمزيات وأدب الظلال أن تجد لها مكانًا عندنا.
ومن المضحك أن بعض الشعراء والأدباء العرب يزعمون تقليدًا منهم لما يقرأونه في النقد الغربي أن الشعر الواضح لا يمكن أن يكون شعرًا حقيقيًّا، إذ لا بد من المعاناة في قراءة الشعر وفهمه، بل لقد يقولون: إن الشعر لا يكتب ليفهم، بل ليشعر به ليس إلا، وليت شعري!! كيف يستطيع الإنسان أن يتمتع بشعر لا يمكن فهمه؟! إن تلك المزاعم العجيبة تناقض طبيعة العقل البشري، الذي يقول: إنه في مجال الأدب لا يمكن أن يتذوق القارئ أو السامع أي إبداع ما لم يفهمه أولًا ولو على نحو مقارن، أما مع غموضه واستغلاقه، فهذا ما لا يمكن أن يكون،