وفي ذات الوقت ينبه الدكتور هلال إلى أنه ينبغي للأدباء والنقاد والقراء، ألا يتطرفوا في أي من الاتجاهين: اتجاه الحرص المبالغ فيه على التقاليد، أو اتجاه التطرف والتمرد على كل قديم، ونحن نوافقه في هذا، وعلى أهل كل أدب أن يزنوا الأمور في هذه الحالة بميزان العقل المستقيم، والذوق السليم متسلحين بالثقة بالنفس وسعة الأفق، والحرص على الذاتية التي تميز الأدب القومي التمييز الذي يفتخر به، دون تعصب مطلق لكل ما فيه حتى لو ثبت ضرره، وكذلك دون التعبد لما عند الآخرين لمجرد أنه غربي؛ حتى لو ثبت أنه خالٍ من القيمة، وهذا يجرنا إلى الحديث عن المثاقفة بين الآداب، أي: أخذ الثقافات والآداب بعضها عن بعض؛ بُغية التجديد والتطوير والتحسين، ومعروف أنه لو بقي الماء في مكانه دون حركة ودون تجدد لصار راكدًا تعافه النفس، بل ضارًّا يؤذي، وهذه المثاقفة من شأنها أن توسع الأفق، إذ ترينا كيف أن الأذواق والأوضاع والقيم الأدبية تختلف من أدب إلى آخر، ومن أمة إلى أخرى، رغم أن هناك أشياء مشتركة كثيرة أيضًا.
وهذا الاختلاف دليل على ثراء الحياة وعلى غنى القدرة الإلهية المبدعة التي لا تنفد ولا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، وفي القرآن الكريم آية تقول عن البشر: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118، 119) وهذه الآية وإن كانت تتعلق بالأديان واختلافها، واختلاف الناس بشأنها، من ثم من الممكن الاستشهاد بها هنا، فالاختلاف بين البشر لا يقتصر على الأديان، بل يشمل كل شيء يتعلق به، إنه سنة بشرية مثلما التشابه في بعض الجوانب سنة بشرية أخرى، ولا شك أن اطلاعنا على ما عند غيرنا، وتحققنا من أنه يختلف كثيرًا أو قليلًا عما عندنا، جدير أن يعمق فهمنا للحياة والأحياء، ويوسع مداركنا ويجعلنا نتقبل الآخرين، ونتفهم حقيقة اختلافهم عنا فنكون أرحب صدرًا، وأقدر على