التسامح مع تمسكنا بما لدينا في ذات الوقت، وإلا تحول الأدب المقارن نقمة وأذى إذا كانت ثمرته تمييع مواقفنا، والانتهاء بنا إلى العجز عن اتخاذ موقف ثابت نابع من إيمان حقيقي بفائدة ما في أيدينا وصحته وحقيته.
هذا، ويحرص الغرب على نشر ثقافته وآدابه في العالم على حساب الثقافات والآداب الأخرى، وهو ما يسمى بالاختراق الحضاري، أي: العمل على غزو الشعوب الأخرى غزوًا ثقافيًّا وأدبيًّا لطبعها بطابع غربي؛ كي يسهل انقيادها وشعورها بأنها تابعة للغرب، فلا تبدي مقاومة لمخططاته في إخضاعها سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، ومن ثم لا يحتاج إلى جيوش يجيشها، وأموال ينفقها وجنود وضباط تزهق أرواحهم في المواجهة بين المقاومة الوطنية وجيوش احتلاله.
يقول الدكتور حسام الدين الخطيب: إنه ينبغي الاعتراف بأن الذي تغير اليوم هو الوعي العالمي العام؛ لأن النموذج الغربي متفوق حقًّا في مختلف مجالات الثقافة والعلم والإنتاج، والقوة المادية والاتصال وغزو الفضاء، ولكن له مشكلاته ونقائصه وتناقضاته، ولا سيما بين المثل الأعلى المعلن والمثل غير الأعلى للهيمنة والسيطرة والاستلاب؛ ولذلك ينبغي أن يكون الموقف منهم حذرًا وانتقائيًّا، وغير مبني على الانبهار والتسليم الأعمى، كما أن هناك شيئًا آخر مهمًّا قد تغير في مجال المقارنة مع المركزية الأوربية، وهو الاعتراف الضمني أو الصريح بعظمة حضارات العالم القديم في أفريقيا وآسيا، والتسليم بما قدمته هذه الحضارات، ومنها الحضارة العربية الإسلامية من إسهام مباشر أو غير مباشر في مسيرة الحضارة الإنسانية.
وهنا أيضًا يقتضي الإنصاف منا الإشارة إلى أن عددًا لا يستهان به من مثقفي الغرب، وعلمائه وأدبائه أسهموا في دعم هذه الفكرة ونشرها، وإلى جانبها فكرة أصالة الإنتاج الفني والأدبي الراهن في بلدان العالم القديم، أو بلدان