والآن ما الذي ينبغي أن يصنعه المقارن الأدبي في هذا السياق؟
الواقع أن المقارن الغربي ينبغي أن يعلو فوق مثل تلك الاعتبارات لو أراد أن يكون مقارنًا محترمًا، فيبحث عن الإبداعات غير الغربية ويسلط عليها الضوء دون أن يقيم للاعتبارات، التي تناولناها لتونا أية أهمية، بل يعتمد على ما يمليه ضميره المخبي، وذوقه الفني، وميزانه الإنساني المستقيم، وإذا وجد إبداعًا راقيًا أشاد به بغض النظر عن أي شيء آخر، إذ لا ينبغي أن يكون لديه ابتداء أي مانع من أن يكون الإبداع غير الغربي أفضل من نظيره الغربي المشابه له.
ومن جهة أخرى نبه الدكتور محمد غنيمي هلال إلى معنًى مهم حين قال: إن عالمية الأدب في معناها الذي شرحناه، وهو خروج الآداب من حدودها القومية؛ طلبًا لما هو جديد مفيد تخدمه وتتغذى به، واستجابة لضرورة التعاون الفكري والفني بعضها مع بعض، لها أسسها العامة، والتي تحدد سيرها. ثم مضى يذكر أهم تلك الأسس، ومنها أنه ينبغي للأديب المتأثر البحث أثناء عملية الاختيار، التي يقوم بها بُغية النهوض والتقدم عما يساعده في بلوغ هذا الهدف، ويعصبه من التردي فيما يضيره، ومنه الحفاظ على اللغة القومية، والخصائص العبقرية للأدب القومي، فلا يكون نقد الأدب القومي عن الآداب الأخرى تقليدًا أعمى، يمحو أصالته ويربطه برباط التبعية والعبودية لتلك الآداب.
وهو يرى أنه لا بد من التلاقح مع الآداب الأخرى؛ لأن أي أدب قومي لا يمكنه الاستقلال التام عن الآداب الأخرى، بل لا بد له من العطاء والأخذ وإلا أصابه الركود والعطل.