الدكتور جمعة قد استأنس رغم هذا بما قاله في هذا الصدد كلٌّ من براون المستشرق الإنجليزي وكريم كشاورزي الباحث الإيراني، وإذا كان البطل في كل من المقامات الهمدانية والمقامات الحريرية شخصًا واحدًا لا يتغير هو أبو الفتح الأسكندري عند بديع الزمان وأبو زيد السروجي عند الحريري وكذلك راوية كل منهما شخصًا واحدًا أيضًا، هو عيسى بن هشام في الأولى والحارث بن همام في الثانية- فإن البطل لدى القاضي حميد الدين يتغير في كل مقامة، أما الموضوع فيبقى ثابتا دون تغيير كما هو الحال عند الهمداني والحريري؛ حيث الكدية هي المحور في معظم مقامات الأول وكل مقامات الثاني.

وكما قامت المقامات في الأدب العربي ضمن ما قامت على المحسنات البديعية والإغراق فيها والاستعانة بالألغاز والحرص على إبراز سعة المعجم اللغوي وبخاصة ما يكثر في لغة العرب من غريب الألفاظ- فكذلك حاول القاضي حميد الدين أيضًا الجري في نفس المضمار، وإن لم يكن للفارسية ذات الثراء الذي تتمتع به لغة القرآن حسبما ذكر المؤلف.

ومن مظاهر تأثر الحميدي بمقامات بديع الزمان كذلك كثرة استخدامه للألفاظ العربية فضلًا عن الجمل والعبارات الكاملة المنقولة من لغة الضاد حتى في المواضع التي لا يكون ثمة داع لذلك من ضرب مثل أو سوق شاهد في أصله العربي، بل لقد قلد الحميدي تركيب الجملة العربية في كثير من الأحيان، فكان يأتي بالفعل في أول الكلام على عكس ما تقتضيه اللغة الفارسية، التي يقع فعلها في آخر الجملة لا في بدايتها، فضلا عن إيراده كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار والأمثال العربية كما هي، إضافة إلى بعض الأشعار التي نظمها هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015