بلغة القرآن، ليس ذلك فقط، بل إنه اقتصر في عدد من الحالات على إيراد بعض المقامات الهمذانية كما هي بعد ترجمتها إلى الفارسية، مع زيادة بعض الإضافات بغية إظهار تفوقه وبراعته، مثلما هو الحال في المقامة الثقباجية التي تقوم على المقامة المضيرية لدى الحريري، كذلك تتشابه المقامات هنا وهناك في العدد إذ تبلغ كل منها أربعًا وعشرين مقامة.

هذه نقاط الاتفاق، أما الاختلافات فتكمن في أن بطل مقامات الحميدي يختلف من مقامة إلى مقامة، كما أن راويها وهو نفسه كاتبها، على حين أن بطل المقامات لدى الهمذاني واحد دائمًا، علاوة على أن راويها شخص غيره، كذلك ففي الوقت الذي نجد فيه البديع يسمي معظم مقاماته بأسماء البلدان فإن الحميدي لا يصنع شيئا من هذا، بل يطلق على كل مقامة اسمًا مشتقًّا من الفكرة التي تعالجها، وإلى جانب ذلك فإن في مقامات الأديب الفارسي كثيرًا من المناظرات، كتلك التي قامت بين السني والملحد، والأخرى التي دارت بين الشيب والشباب، ثم إنه بسبب انتشار التصوف في إيران في الفترة التي عاش فيها القاضي حميد الدين وجدنا الكاتب الفارسي يخلع على كثير من مقاماته خلعة صوفية بتعبير المؤلف كما في المقامة الثقباجية؛ إذ يوجد فيها شيخ ومريدون.

هذا وقد لمس الأستاذ الباحث مسألة جدّ مهمة؛ وهي أن فن المقامات لم يكتب له الرواج والانتشار في الأدب الفارسي؛ ذلك أنه لم يكرر محاولة أحد بعد الحميدي، وقد علل الأستاذ الدكتور هذا بأن الفارسية فقيرة في الكلمات المترادفة والمتساجعة بالقياس إلى لغة الضاد، ومن ثمّ لا تصلح كثيرًا لكتابة المقامات التي تلتزم السجع والمحسنات البديعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015