أما في العصر الحديث، فقد ظهرت بعض الأعمال الشعرية العربية التي أطلق عليها ملاحم؛ لأن فيها بعض السمات التي تصلها على نحوٍ ما بذلك الجنس الأدبي، فهي أعمال قصصية طويلة يقع بعضها في عدة آلاف من الأبيات، كـ"ملحمة الغدير" لبولس سلامة اللبناني الذي لم تمنعه نصرانيته من الإعجاب ببطولة ختن الرسول الكريم -صلوات الله عليه- والعكوف على سيرته وشخصيته يدرسهما ويستوحيهما، حتى أخرج لنا في نهاية الأمر عملًا ملحميّا يصور بطولاته -رضي الله عنه- وإنجازاته الخارقة.

على حين يكتفي البعض الآخر بعدة مئات من الأبيات كما هو الحال في "ترجمة شيطان" التي صور بها العقاد ما حاق بنفسه عقب الحرب العالمية الأولى من شكوك في قدرة البشرية على مصارعة عوامل الشر والتغلب عليها ويأس من انتصار الخير في دنيانا هذه بسبب الأهوال وألوان الدمار والتقتيل التي أنزلتها تلك الحرب بجنس الإنسان، وكانت ترجمة سليمان البستاني الشعرية لـ"إلياذة هوميروس" إلى لسان العرب، ونشره إياها في أول القرن العشرين خير دافع لشعرائنا المحدَثين إلى دخول هذا الميدان الذي كان الشعر العربي يخلو منه قبل، وكان الدكتور يعقوب صروف قد شجع البستاني على ترجمة "الإلياذة" أثناء الأخير لمجلة المقتطب بالقاهرة سنة ألف وثمانمائة وسبع وثمانين ميلادية، وكان البستاني من جانبه مشغوفًا بالشعر القصصي هائمًا بأساطيره وخرافاته، وكان ينظم المقطوعات الشعرية فاختمرت الفكرة من يومها في ذهنه، وأخذ يطلع على ترجمة الإلياذة باللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، فضلا عن قيامه بتعلم اليونانية التي كتب بها ذلك العمل، ثم قام بتعريبها شعرًا مع آلاف الهوامش التي يشرح فيها كل ما يحتاج إلى توضيح، وصدرت الترجمة بالقاهرة سنة 1904 فأقام له المفكرون والأدباء في مصر حفلة تكريمية بفندق شبرد ذلك العام، ولم يكتفِ البستاني بترجمة "الإلياذة" وشرح ما يحتاج فيها إلى شرح، بل زاد فوضع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015