وخمسين، إلا أن هذه السير ليست مصوغة كلها شعرا بل هي عمل نثري في المقام الأول تكلله الأشعار على ألسنة بعض أبطالها، وفي خلال السرد مع تفاوت في مقدار هذا الشعر بين سيرة وأخرى، ومع هذا لا يصح أن نغفل أنها مصبوبة في قالب السجع الذي يقترب خطوة من الشعر، كذلك لا يوجد لها مؤلّف معين؛ إذ هي من إبداع المخيلة الشعبية.
ولعلنا لم ننسَ أن الملاحم الأولى الموغلة في القدم هي أيضًا عارية عن أسماء مؤلفيها، بل إن من الدارسين من ينفي أن يكون هوميروس هو صاحب الإلياذة قائلا: إنها عمل شعبي عام اكتمل على مدار الزمان، ومن هنا كان أسلوب السير الشعبية مختلفا عن أسلوب الأدب الرسمي، رغم أنها مكتوبة بالفصحى؛ إذ هي فصحى تنفح بالنكهة الشعبية من حيث بساطتها وعدم احتفالها بالصياغة اللغوية بوجه عام، وفوق ذلك ففي السير تداخل بين الأماكن والأحداث والأزمنة التاريخية كما هو الحال مثلا في سيرة عنترة؛ حيث نرى عنترة في اليمن وفارس والشام ومصر وحيث تستغرق الأحداث عدة قرون وكما هو الحال في سيرة الظاهر بيبرس حيث يشتبك العصر العباسي والعصر الأيوبي والعصر المملوكي، ووجه الشبه بين السير الشعبية والملاحم أنها شديدة الطول، وأن الأبطال فيها يتميزون بالشجاعة الخارقة، كما تختلط الأحداث التاريخية بكثير من الخرافات والأساطير، فضلا عن اتساع رقعة الميدان الذي تتحرك فيه الوقائع والشخصيات، كذلك فالجن والسحر والمعجزات والكرامات والرؤى والنبوءات الصادقة موجود في تلك السير وقد أشار إليها روجر ألن في كتابه "انتروداكشان تو أرابيك لترشر" بوصفها ملاحم شعبية، وللدكتور عبد الحميد يونس والدكتورة نبيلة إبراهيم والأستاذ فاروق خورشيد وغيرهم دراسات هامة حول تلك الأعمال.