وتزداد الأمور إيغالًا في الواقعية على يد شاعر كبشار بن برد الذي لم يكن يرى في المرأة أو يهمه منها إلا جسدها، وما يرويه هذا الجسد من شهوات دون المبالاة بالناحية الروحية فيه على الإطلاق.
ومن الشعر الذي ينحو منحًا واقعيّا ما نظمه أبو نواس مثلا من قصائد تقص مغامراته في عالم الحانات وتصف مجالس الشراب؛ حيث لا يترك تفصيلة من تفاصيل الواقع الحي إلا يسجلها ويبرزها، وكأننا رفقاء له في تلك المغامرة وهذه المجالس؛ يراه ويسمع ويشمه.
وفي ألف ليلة وليلة حكاية تقدم لنا كثيرا من المشاهد الواقعية مصوغة بلغة تخلو تمامًا من أي تأنق أو تكلف؛ لغة بسيطة بساطة اللهجة العامية، وإن اتبعت إلى حد معقول قواعد النحو والصرف، ولكن في أيسر صورها وأقلها مؤنة، كما هو الحال مثلا في حكاية احمد الدنف وحسن شومان مع الدليلة المحتالة وبنتها زينب النصابة، وهي مجرد مثال وإلا فهناك عشرات القصص التي تتسم بالواقعية في التعبير والتصوير معًا.
كما أن هناك أنواع أخرى من القصص الواقعي غير ألف ليلة وليلة على ما هو معروف لمن يتصلون بالأدب العربي ويعرفونه درره ولآلئه.
أما في الأدب العربي الحديث فللواقعية فيه سجل واسع؛ إذ انصرف الأدباء عن الاهتمام بالقصص الغرام المسرفة في المثالية والخيال، وكذلك عن الطبيعة بحقولها وطيورها وجداولها التي يتجاوب معها أبطال الشعر والقصة، إلى درجة الفناء فيها، وتحولوا إلى رصد الواقع البائس للعمال والفلاحين وهتفوا لأوطانهم وثاروا في وجه المحتلين الغاصبين، ومجّدوا بطولات المقاومة، وبدلا من "زينب" لهيكل مثلا و"إبراهيم الكاتب" للمازني و"عودة الروح" و"آل الكهف" للحكيم