لكن هناك في ذات الوقت لونا آخر من الواقعية كانت تعرفه الآداب الاشتراكية أيام كانت هناك اشتراكية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي والدول التابعة له جراء ثورة الشعوب على أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا اللون من الواقعية يركز على ما في الحياة من أوضاع تدعو إلى التفاؤل وتؤدي إلى نتائج إيجابية بدلًا من تلك النظرة المتشائمة السوداوية التي تسبق الواقعية الغربية؛ ذلك أن الاشتراكيين كما ذكر الدكتور مندور يؤكدون أن الأدب اختيار وأن الأدباء الذين يختارون الشخصيات الشريرة المؤذية أو السلبية المتخاذلة إنما ينمّون عن ضعف وشيخوخة في رؤيتهم للحياة، ولو كانت رؤيتهم للحياة رؤية متفائلة ما ركّزوا على الجانب الأسود منها، ذلك الجانب الذي من شأنه أن يثبط الهمم ويدعو إلى اليأس وينشر روح الهزيمة والانهيار أمام عوائق الحياة، بخلاف ما لو اجتهدوا في إبراز الطاقات البشرية المذخورة القادرة على صنع الأعاجيب، فعندئذ تسود مشاعر التفاؤل بين أفراد الشعب ويبذلون غاية جهدهم ويستطيعون التغلب على عقبات الحياة، ويحققون نتائج مذهلة.
والواقع، أنه لا هذه النظرة ولا تلك هي النظرة الصحيحة للوجود؛ ففي الوجود ما يدعو إلى التشاؤم وفيه في ذات الوقت ما يدفع إلى الابتهاج والتفتح للحياة والتفاؤل بالمستقبل، بيد أن الظروف تختلف من شخص إلى آخر ومن فترة تاريخية لأخرى ومن مجتمع إلى مجتمع غيره، وهكذا، على انه ينبغي أن لا يستسلم الأدباء لمعوّقات الحياة والمجتمع في الفترات التي تنتشر فيها العيوب والسلبيات، بل عليهم إلى جانب تصوير تلك المعايب والشرور ألا يغفلوا عما في الحياة من جوانب الخير والأمل حتى لا يكونوا بدورهم عبئًا على المجتمع والقوى الناهضة المكافحة، ولكن بشرط ألا يزيفوا الواقع ويقدموا صورة براقة لا تساعد الوقائع اليومية على تصديقها وتقبلها، كما كان يحدث في أحيان غير قليلة في الأدب