الواقعية

أما بالنسبة للواقعية: فكما يقول الدكتور مندور في كتابه (الأدب ومذاهبه): نشأ هذا المذهب في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي تحت تأثير الحركة العلمية والفلسفية؛ ردّ فعل على الإفراط العاطفي الذي اتسمت به الرومانسية، وقد عمد الواقعيون إلى تشخيص الآفات الاجتماعية وتصوير معاناة الطبقة الدنيا، وبالغوا في ذلك حتى اتسم أدبهم بطابع تشاؤمي ومسحة سوداء.

ويعد بلزاك الرائد الأول للواقعية في فرنسا، وقد خلّف أكبر موسعة في الأدب الواقعي تشمل نحو مائة وخمسين قصة أطلق عليها اسم (الكوميديا البشرية)، تمثل قطاعات مختلفة من الحياة، كما نجد عدة أدباء آخرين من فرنسا مثل الجوستاف فلوبير.

ويقول الدكتور مندور: إن الواقعية كمذهب أدبي ليست هي الأخذ عن واقع الحياة وتصويره بخيره وشره كالآلة الفوتوغرافية، كما أنها ليست معالجة لمشاكل المجتمع ومحاولة لحلها، بل هي فلسفة فهم الحياة والأحياء وتفسيرهما لها وجهة نظر خاصة ترى الحياة من خلال منظار أسود، وتؤمن بأننا لو نقبنا عن حقيقة الشجاعة والاستهانة بالموت مثلًا لوجدناها يأسا من الحياة أو ضرورة لا مفر منها، مثلما أن الكرم في حقيقته أثرة تأخذ مظهر المباهاة والمجد والخلود؛ تكالبٌ على الحياة وإيهام للنفس بدوامها أو استمرارها، وهكذا الأمر في كافة القيم المثالية التي نسميها قيمًا خيرة فهي ليست واقع الحياة الحقيقية. وتمثل الواقعية الجانب الواقعي من المجتمع والحياة إذ ترى أن الحياة كلها شرّ ووبال، وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا كان ماكرًا مخادعًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015