إلى إجماع الرغبة على قتله كفارس مذكور في قومه وشاعر ذائع الصيت بينهم، وكانوا قد شدوا لسانه لئلا يقدم على هجائهم أو التعريض بهم أو رصد مثالبهم، ولما ذاق الفارس الأسير أنه مقتول لا محالة طلب إليهم أن يطلقوا لسانه لعله يذم أصحابه. ممن تركوه وغدروا به أو لعله يرثي نفسه قبل موته، كما طلب منهم أن يختاروا له قتلة كريمة تليق بمكانته وفروسيته، فأجابوه إلى رغبته وسقوه الخمر وقطعوا له عرقًا يقال له الأكحل، وتركوه ينزف حتى مات، ويقال: أنه نظم يائيته المشهورة وقد جُهّز للقتل، فراح من خلالها يحكي قصة ألمه إزاء ما كان من قومه وقد تركوه حين هزموا ولو شاء الفرار لسهل عليه أمره، ولنجا من مأزق أسره، ولكنه آثر الثبات من أجل حماية قومه، فإذا به في موقف لا يحسد عليه بين مهادنة ومذلة يترجمها موقف نساء تميم منه وهن يهزأن به ويسخرن منه ويراودنه عن نفسه.

وهناك كذلك رثاء الخنساء لصخر أخيها ذلك الرثاء التي وقفت حياتها كلها عليه، لا تريد أن تتوقف أبدًا عنه رغم تمادي الزمن، ومنه كذلك أشعار العذريين وكثير عزى، المفعمة بالحرمان والعذاب والعكوف على المشاعر الباطنية يجترها الشاعر في ألم لا يعدله ألم صارخًا حيث لا يسمع صريخه ولا يمد يده إليه أحد، ولا ننسى مثلا أبيات ابن خفاجة في وصف الجبل المتوحد في قلب الصحراء؛ حيث لجأ إليه ذات ليلة ومد أذنه ليسمع الكثير من أخبار ماضيه وما مر به من أحداث وناس ومفارقات، فسمع حديثًا عجبًا، أو أبيات البحتري في وصف الربيع وهو يستيقظ من رقدته الشتوية مختالًا ضاحكًا ابتهاجًا بما حباه الله به من الحسن والجمال، حتى أوشك أن ينطق من الفرح والابتهاج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015