فلنأخذ مثلًا قصيدة "عبد يغوث" التي نظمها وقد وقع أسيرًا في يد أعداء قبيلته، فقيدوه وشدوا لسانه بنسعة كي لا يقول شعرًا في هجائهم فيفضحهم بين القبائل، وأسروا على أن يقتلوه بفارس من فرسانهم سقط في معركة دارت رحاها بينها وبين قبيلة الشاعر الذي كان قائدًا قومه أو واحدًا من كبار قادتهم، ففي هذه القصيدة يسود جو من الأسى والألم وترفرف راية الموت السوداء وتنثال الذكريات على الشاعر حزينة تلذّع قلبه تلذيعًا، وبخاصة بعدما تبين له أنه لا فائدة ترجى من المفاوضات إلتي حاول أن يديرها بينه وبين آسريه عارضًا فيها دفع ما يريدون من دية حتى لو استغرقت ماله كله وتركته حريبًا -أي فقيرًا فقرًا مدقعًا لا يملك شرو نقير-.
أليس هذه القصيدة تخلو من نهج القصيدة التي ذكر ابن قتيبة أنه واجب الاتباع بحذافيره من بدئها بالوقوف على الأطلال ثم التثنية بركوب البعير والانطلاق في رحلة الصحراء والتثليث بوصف كل ما يمر به الشاعر في رحلته تلك التي أمضى فيها بعيره وأرهق نفسه وصفًا لا بد من التزامه التزامًا صارمًا، دون أي خروج عنه في اشد التفاصيل دقة، تُرى أي فرق بين تلك القصيدة وبين أية قصيدة رومانسية مما نعرف من شعر العصر الحديث، وبحق يكتب أحدهم في بعض المنتديات المشباكية قائلًا:
قريبة إلى نفسي هذه الياء التي اختتمت بها قصيدة عبد يغوث بن وقاص تجربة الشاعر الجاهلي اليمني عبد يغوث كانت عند هزيمة قومه حينما يجره سوء حظه إلى أن يقع أسيرًا في صفوف أعدائه بعد أن كان قائدا لقومه مذحج، ويحاول الأسير أن يفدي نفسه ولكن أني له ذلك وقد تمادت تميم في حرصها عليه بل أبت إلا قتله بالنعمان بن جساس قتيلهم في يوم القلاب الثاني، وهو موضع أسر عبد يغوث بن وقاص الحارثي، ولم يكن عبد يغوث قاتله، ولكن تميمًا تنتهي بالرأي