والمعاني الشريفة فلينظر إلى سير الملوك". أي كتب تاريخ الملوك الإيرانية وكتب "الشاهنامه" وهي تفيض بهذه الحكايات والنصائح ذات الطابع التاريخي، مما جعل بلعمي يعتقد أن الأخلاق هي لب التاريخ وجوهره، ومثالها ما كان في كتاب (التاج) لابن المقفع، وهو مفقود الآن، وقد بقيت لنا منه شواهد ساقها ابن قتيبة في عيون الآخبار في مواضع متفرقة كما بقي لنا منه شاهدان آخران في كتاب (تاريخ البيهقي) كما يذكر الأستاذ الدكتور محمد غنيمي هلال.
وكثير من هذه النصائح كان يساق في صورة توقيعات، وهي العبارات والجمل التي كان يُذيل بها الخلفاء والوزراء، ما يرفع إليهم من رقاع، فكانوا يوقعون عليها بإمضائها أو بإهمالها ومن هنا جاءت كلمت توقيع، وهي أن يكتب الشخص منا اسمه تحت الوثيقة أو تحت الرسالة أو ما إلى ذلك. ولكن التوقيعات في العصر العباسي لم تكن تقتصر على أن يكتب الخليفة أو الوزير اسمه أو يضع إمضاءه تحت الرسالة، وإنما يوقعها بمعنى يكتب تحتها عبارة أو جملة تُفيد موقفه مما جاء فيها.
والتوقيعات بهذا النحو من تقاليد الفرس القدماء، ومن ذلك ما يرويه ابن قتيبة من أن "آنوشروان" كان إذا ولَّى رجلًا أمر الكتاب أن يترك في العهد موضع أربعة أسطر؛ ليوقع فيه بخطه، فإذا أوتي بالعهد وقع فيه مثلًا: "أسِسْ خيار الناس بالمحبة، وامزج العامة الرغبة بالرهبة، سُس سفلة الناس بالإخافة". وعلى هذا النحو جرت عادت حكام العرب في توقيعاتهم، وهم متأثرون في ذلك بحكام إيران. ومن حكام العرب من نقل بعض هذه التوقيعات الإيرانية فترجمها كما هي إلى العربية.
وفي الرسالة "المعزولة إلى تنس رئيس الكهنة في عهد "أردشير" طائفة من هذه النصائح تذكر بناظرتها في الأدب العربي مما عزي إلى "بزرج هر"