ومن هذه النصائح الباقية من الأدب الدهلوي النصائح المعزوة إلى "آزرباز مهر سندان" رئيس الكهنة رعاية الشهبور الثاني في القرن الرابع الميلادي، وكذلك نصائح الحكيم "أشنر"، وهو شخصية أسطورية قديمة، ثم نصائح الخسرو الأول.
وكتاب ابن مسكويه في العربية صورة لهذه النصائح والوصايا الإيرانية، ولا شك أن لهذه النصائح صلة بالكتب العربية المؤلفة في المواعظ والآداب والحكم التي أوردها النديم في الفهرست.
وقد أثر الأدب الإيراني القديم والأدب العربي معًا في أدب الحكمة عند الفرس بعد الفتح، مما نراه في بعض أشعار "الشاهنامه" للفردوسي وفي "قابوس نامه" الذي ألفه "كيكاوس بن إسكندر بن وشم كير" المعروف بعنصر المعالي، وسياسة ناما لنظام الملك، وما إليها وإنما راج هذا الجنس الأدبي لدى العرب بتأثير الإيرانيين القدماء ثم لدى الفرس من المسلمين فيما بعد؛ لأن النصائح فيه عملية غير فلسفية ولها مساس بشئون الحياة اليومية، فهي أقرب إلى طبيعة العرب الأولى التي كانت لا تميل فطريًّا إلى التعمق في النظريات.
ثم إن هذه الحكم مسوقة في أصلها مباشرة من غير قرائن مسرحية أو ملحمية طويلة، وهذا طابع شرقي للحكم ومخالف للطابع اليوناني، وهذا مما يضعف احتمال تأثير اليونانيين في هذا الجنس الأدبي.
وأما الرسائل الديوانية والرسائل الإخوانية بأسلوبهما الأدبي وتقاليدهما؛ فتأثير العربية فيهما أوضح وأظهر، كما يتضح ذلك بالنظر إلى الرسائل التي جمعها وألفها بهاء الدين محمد بن مؤيد البغدادي المتوفى أواخر القرن السادس الهجري في كتابه المسمى (التوسل إلى الترسل) تلك هي أهم الأجناس الأدبية النثرية.