ويظهر ذلك الجهد واضحًا في ترجمة الوزير الساماني أبي علي محمد البلعمي لتاريخ الطبري في أواخر القرن العاشر الميلادي، متصرفًا على حسب حاجته وما يراه، ولا أدل على ذلك من قول البلعمي في مقدمته لترجمته الكتاب إلى الفارسية، إذ قال: لما وجدت ذلك الكتاب يحتوي على كثير من الحكم والأمثال، وعلى شرح آيات قرآنية وأشعار جميلة، وعلى سير الأنبياء والملوك، اجتهدت في ترجمته إلى اللغة الفارسية طالبًا من الله العون.

وبهذه الترجمة تحقق للغة الفارسية أسلوب الأدب النثري كما قال الدكتور هلال، وأسلوب بلعمي في ترجمته سهل خال من الحلية اللفظية إلا ما ندر من سرش وإلا ما يذكر أحيانًا من جمل أو من مفردات تتوالى على معنًا واحد، محاكاة للأسلوب العربي.

ونسبة الألفاظ العربية في هذه الترجمة ضئيلة تتفاوت ما بين ثلاث في المائة وخمسة وعشرين في المائة، وتكثر في الاصطلاحات والتعبيرات الدينية والكلمات التجريدية، وقلما تكون الألفاظ العربية في هذه الترجمة أسماء لأشياء محسة.

وبالترجمة أيضًا ظهر النثر الفني الفارسي، وذلك بترجمة أبي المعالي نصر الله لـ"كليلة ودمنة" من العربية لابن المقفع إلى الفارسية، حوالي عام خمسمائة وتسعة وثلاثين هجرية، وقد تصرف أبو المعالي في ترجمته تصرفًا خلق في لغته النثر الفني بخصائصه العربية.

وقد وصل هذا التأثير العربي أقصاه في العناية بالحلية اللفظية والسجع، بترجمة "الجربذقاني" كتاب (يمين الدولة) لأبي نصر محمد بن عبد الجبار العتبي إلى الفارسية عام أربعمائة واثنين وثمانين للهجرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015