ويُجمل الدكتور محمد غنيمي هلال مظاهر التأثر والتأثير العامة المتبادلة بين الأدبين العربي والفارسي، فيقول: إن أول مظهر لهذا التأثير يتمثل في الترجمة؛ سواء من الإيرانية القديمة للعربية منذ العباسيين، أو من العربية الفارسية بعد الفتح الإسلامي، على أن الترجمة من العربية إلى الفارسية كانت أعمق أثرًا في أدب الفرس بعد الفتح، إذ بفضلها وجد النثر الفارسي وتطور، واتبع في تطوره نفس المراحل التي مر بها النثر العربي.
وعلى رغم صعوبة تحديد نشأة النثر الفارسي بعد الإسلام؛ فإن أقدم ما وصل إلينا منه يرجع إلى عصر الدولة السامانية في أواخر القرن التاسع إلى أوائل القرن الحادي عشر، وقد اعتمد في نشأته على أصول عربية، مثل ترجمة (تفسير الطبري)، و (تاريخ الطبري).
ومن المقطوع به أن اللغة الفارسية ظلت حتى بعد الفتح الإسلامي لغة الكلام وكانت تنظم بها الأغاني والأقاصيص الشعبية ولكنها ارتقت إلى المكانة الأدبية بفضل احتذائها اللغة العربية في صورة الترجمة، ولا بد أن تكون هذه الترجمة قد سبقتها جهود عديدة لإغناء تلك اللغة، تمهيدًا لصعودها إلى المكانة الأدبية، ومن هذه الجهود ما اعتمد قطعًا على شروح النصوص القرآنية والدينية أول العهد بالإسلام، وهي نصوص تتناول كثيرًا من شئون الحياة السياسية والمدنية.
وسند ذلك ما يحيكه المؤلف الفارسي أبو جعفر المرشخي في كتابه (تاريخ بُخارى)، عن أهل تلك المدينة من أنهم كانوا في أول العهد بالإسلام يقرؤون القرآن في ترجمته الفارسية، وكانت تلك القراءة تتبع حتمًا شروطًا وتعليقات لفهم معاني النصوص الأصلية، ولا يتأثر ذلك بدون إدخال كثير من الألفاظ العربية والمعاني التجريدية والصور الدينية، مما ترتب عليه حتمًا إغناء تلك المواد في أول عهدها بممارسات مثل تلك الموضوعات.