ويدهش القارئ إلى هذه البحوث حين يرى تعدد قراءات كبار الكتاب وسعة آفاقهم، ثم حين يرى كيف أخرجت تلك الموسوعة الكبرى من مختلف ثقافاتهم وإطلاعاتهم ثمارًا متنوعة مختلفة الألوان يرجع كل لون منها إلى أصله، ويعجب كيف انتظمت كل هذه الألوان لتألف وحدة منسجمة كحديقة غناء أبدعت فيها يد التنسيق فألفت بين زهورها وأشجارها على الرغم من اختلاف ألوانها وتنوع ورودها.
وليس في هذا أي عجب، فنحن عندما نبني بيوتنا نأتي بالرمل من مكان وبالظلط من مكان آخر، ومن أسمنت من مكان ثالث، وقد نستورد أشياء من بلاد مختلفة، ثم إذا بهذا كله ينتظم في أيدي البناء بناء جميلًا متناسقًا عليه طابع شخصيته وشخصية المهندس الذي صممه، وهكذا.
وفي مكتبتي كتب من أماكن مختلفة من قرية من القرى في المنوفية، ومن مدينة من المدن، وبعضها من لندن وبعضها من باريس، وبعضها جاءني من إفريقيا، وبعضها من الإنترنت، وكل ذلك أقرأه وأهضمه وأتمثله ثم أخرجه كتب مختلفة عليها طابع شخصيتي، صحيح أن الميدان هنا ميدان النقد الأدبي والتاريخ الأدبي وما إلى ذلك، ولكن هو مثال يستطيع به الطالب أن يتعرف من خلاله على ما يحدث في عالم الإبداع الأدبي.
يضرب الدكتور هلال مثلًا فيه شيئًا من التفصيل فيما يختص بمصادر شوقي الفرنسية والإنجليزية في مسرحيته "مصرع كليوباترا"، وأول ما يلاحظه في مسرحية شوقي أنها قد توافر لها وحدة الزمن، ذلك أنها تبدأ بعد موقعة "أكتيوم" بمدة تهيئ فيها لكليوباترا أن تصل مصر بعد فرارها من ميدان الحرب بأسطولها، وأن تُشيع وصيفتها "شيرنيون" في الشعب أن الأسطول عاد منتصرًا خوفًا على الملكة من أعدائها الكثر.