ويقول الدكتور هلال: إنه على الرغم من أن نقطة البدء في هذا الباب لا تمت بصلة كبيرة إلى الأدب؛ لأن شرح صورة بلد ما في ذاتها لا تفيد التاريخ الأدبي، ولا تكشف عن الصلات العقلية بين الكتاب، على الرغم من ذلك فليس القصد هنا هو بيان هذه الصورة الأدبية في ذاتها؛ ولكن شرح الأفكار العامة التي تضافرت على تكوين هذه الصورة في أدب ما، ويستلزم هذا الشرح بيان الطريقة التي تكونت بها.
كما يستلزم أيضًا الكشف عن تأثير البلاد الأجنبية في الكتاب بمناظرها، وعاداتها، وآثارها، ثم بثقافتها المتعددة الألوان مما يربط بين الآداب المختلفة ويكشف عن أصالة الكتاب في مصادرهم، فحين عرفت مدام "ديستايل" مثلا الفرنسيين بألمانيا عرفتها لهم بأنها موطن "جوتة" و"شلر" و"شليجل" فكان لهؤلاء الكتاب على أثر ذلك شهرة واسعة لدى كتاب فرنسا وشعبها.
وبهذا يؤدي البحث في هذا الباب إلى الكشف عن كثير من المصادر الأدبية بالمعنى الواسع لهذه المصادر، كما يؤدي ذلك إلى بيان الطرق التي مهدت للتأثير والتأثر بين الأدبين هذا إلى الخدمات التي يؤدها لتاريخ الأدب ببيان تطور الأفكار العامة فيما يخص البلاد الأخرى على حسب عصور الأدب المختلفة، مع الكشف عن العوامل التي ساعدت على هذا التطور.
وقد نسي الدكتور هلال شيئًا مهمًا، وهو: أن يأتي كتاب الشعوب الأخرى إلى بلادنا مثلًا، فيحدثونا عن بلادهم، وعن أمتهم وعن عاداتهم وتقاليدهم، ويصفوا بلادهم بأنفسهم في محاضرات أو في ندوات أو في كتب يتركونها لنا ... إلى آخره، هو ركز على رحلاتنا نحن إلى بلادهم، لكن كثيرًا من ألئك الكتاب يأتون إلى بلادنا لا ليصفوا بلادنا إلى شعوبهم وأممهم ولكن ليصفوا بلادهم لنا، وهذا متاح أيضًا وعندنا الأفلام وعندنا المسرحيات التي نشاهدها إذا أتت الفرق الأجنبية إلى بلادنا.