هناك مصادر كثيرة تمدنا بالانطباع الذي يتشكل في وجداننا وفي عقولنا تجاه الشعوب والبلاد الأخرى، ولا بد للباحث في هذا الباب مع شرحه للصورة التي كونها شعب ما في أدبه عن بلد أو بلاد أخرى لا بد له أن ينقد هذه الصور، ويبين ما فيها من صواب وخطأ ويشرح أسباب الخطأ فيها، ويدعو إلى وضع البلد أو الشعب موضعها الصحيح من أفكار الأمة وأدبها.
ولكن هناك احتراز مهم وهو: أنّ الباحث عندما يحاول تصحيح الصورة فإنه يقدم لنا صورة من عنده عنا يدخل فيها الصواب والخطأ أيضًا ليأتي باحث آخر بعده يحاول أن يصحح هذه الصورة الجديدة فيقع في أخطاء، وهكذا دواليك؛ لأن الحقيقة كما قلنا ونقول وسنقول دائمًا عند الله سبحانه وتعالى، أما نحن فمجرد مجتهدين.
ولا يخفى أن للصور الأدبية للشعوب كما تنعكس في مرآة آدابها تأثيرًا عميقًا في علاقاتها بعضها ببعض، أيًّا كان نوع تلك العلاقات، ولها كذلك تأثير على عقول قادة الأمة من الساسة والمفكرين في تكوين رأي عام قد ينتج عنه اتجاه خاص في علاقاتها مع غيرها، وكل هذا من نواحي النشاط الأدبي في الميادين الدولة.
ويهتم الأدب المقارن بالكشف عن هذه النواحي من الوجهة التاريخية، وبيان مظاهرها المختلفة على مر الأجيال؛ وبهذا يمهد الأدب المقارن لكل أمة أن تعرف مكانتها لدى غيرها من الأمم، وأن ترى صورتها في مرآة غيرها من آداب الشعوب، ويتاح بذلك لها أن تعرف نفسها حق المعرفة، وأن تحاول تصحيح وضعها أو الدفاع عن نفسها، وبذلك تتهيأ الفرصة للتفاهم الحق، والتعاون الصادق بين الشعوب، وهذه أمنية من الأمنيات، لكن هل يستطيع الأدب المقارن أن يحققها هذا أمر آخر. علي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.