"فيكتور هيجو" بأن الله وهب أرضه زهورًا أكثر من سواها، وملء سماؤها نجوم أغزر، وبث في بحاره لآلئ أوفر، ويتخيل أن السطوح مساكن البدو مليئة بالزهور كأنها سلات ورد، وهذا أمر مضحك؛ لأن بيوت البدو هي الخيام، وليس لها سطوح فضلًا عن أن من المستحيل زراعتها لا بالورد ولا بأي شيء آخر لكنه الخيال، والخيال كثيرًا ما يضر الإنسان ويوهمه بأشياء لا حقيقة لها.
وبالمناسبة أحب أن أوضح شيئًا: أن نزوع الغربيين إلى الشرق نزوعًا طبيعيًّا، مثلما ننزع نحن الآن إلى الغرب ونريد أن نسافر إليه وأن نراه، وأن نعرف ألوانًا من الحياة تختلف عن ألوان حياتنا هنا، وبخاصة إذا قرأنا ما كتبه من سبقونا إلى تلك البلاد، وأنا أذكر أنني كنت متشوقًا إلى أن أسافر إلى أوربا حتى ذهبت إلى بريطانيا ففجئت بأن الأمور كثيرًا ما تختلف عما انطبع في ذهني مما سمعته من زملائي، أو قرأته في كتب الرحالات، أو طالعته في القصص والمسرحيات التي قرأتها عن تلك البلاد.
وبعد أن عُدت من بريطانيا ظللتُ وما زلت حتى الآن أحلم أن أعود مرة أخرى إلى هناك، رغم أني هناك أصبحت أشعر بعد قليل بالضيق، وأريد أن أعود إلى بلادي مرة أخرى، وهذا كله كما قلت أمر طبيعي فالإنسان ابن الملل، ويريد التغيير، ولأنه تعود على الشرق فإنه يريد أن يرى الغرب، حتى إذا ذهب إلى الغرب وعاش فيه سنوات طوالًا أراد أن يعود مرة أخرى إلى الشرق وكله حنين، وكأنه ليس هو الشرق الذي كان قد تركه ضائقًا به ماللًا منه ... إلى آخره.
ولم يمنع ما تردد عند "الرومانتيكيين" من طغيان تركيا واستبدادها أن يرسم خيال "فيكتور هيجو" للأستانة صورة تكاد تباري بها باريس جمالًا، فيقول: في البحر المتألق الحالك تنعكس السماء المحلات بالنجوم في الليل، وتبدو الأستانة ضاحكة وقد تنقب جبينها بالظلام راقدة فوق شط الخليج الذي يغمرها بموج