ولم ينشد "الرومانتيكيون" في الشرق بعض المثل الطيبة في التسامح والحرية والكرم، كما كان يفعل أسلافهم من كتاب القرن الثامن عشر؛ بل نشدوا فيه بوجه خاص مواد لموضوعات أعمالهم الأدبية وصورها، فمثلًا يقول "شليجل" الفيلسوف الألماني المعروف: علينا أن نبحث في الشرق عن أسمى المواد والصور "الرومانتيكية". فولع "الرومانتيكيون" بوصف طبيعة الشرق الجميلة، ومناظره العجيبة، وشمسه الوضاءة المشرقة، على عكس ما هو مشاهد في كثير من بلاد أوربا حيث الضباب والمطر طول العام، والبرد الشديد، وهكذا ولجوء الناس دائمًا، إلى البيوت قلما يخرجون إلى الشارع.
وكان "فلوبير" يذوب شوقًا إلى الشرق ليبحث فيه عن صور، وتعروه لوعة إذا فكر قائلًا: ربما لا أرى أبدًا الصين، ولا أنام أبدًا على ظهر الجمال في خطاها المنتظم، ولا أرى أبدًا في الغابة عيون النمر المتألقة جاريًّا بين فروع الخيزران، وقد رحل كثير من "الرومانتيكين" إلى الشرق ليحققوا هذا الحلم، وبقى عند كثير ممن لم يسافروا حنين واله إلى طبيعة الشرق العجيبة، وقد شبه ألفريد ديفينيه روح الأبدية بطيب بعض مدن الشرق التي يتنسم عبيرها من بعيد، وقد كان الشرق عند كثير منهم روضة منشودة تفيض بالرح والريحان.
وتصور "فيكتور هيجو" الشرق من خلال ألف ليلة وليلة؛ فرأى فيه عالمًا مشرقًا ساحرًا، فهو جنة الدنيا، وهو الربيع الدائم، مغمورًا بوروده، وهو الجنة الضاحكة ذو الخضرة المشرقة والخلجان الندية، والأبراج القرمزية، والدفء والخير، وذو المنازل الذهبية، والخيام المرجحنة على ظهر الفيلة، والعطور العبقة، والأوراق الراعشة حول نوافذ من ذهب، والنخيل دونها عيون الماء، وطائر النقناق فوق منابر المساجد.
ويود "فيكتور هيجو" أن يجلس هناك في الليل وعينه على البحر ذي الأعمال، في حين يفتح القمر الأصفر الشاحب مروحيته الفضية فوق الموج، ويمتاز الشرق عند