وقد تكون الصورة التي رسمها كتاب بلد ما للبلد الآخر، ناقصة مبتورة كما هي الحال عند كتاب العرب ورحالتها الذين لم يرو من إسبانيا إلا جانبها الإسلامي وظل يبكون فيها الفردوس المفقود الذي نفي عنه أجدادهم.

وبالمناسبة: فمن الصعب جدًّا جدًّا إن لم يكن من المستحيل أن يُلم كاتب واحد بكل الجوانب المختلفة لبلد ما عند زيارته لها أو عند كتابته عنه، ومهما كان موسوعي النظرة فإنه في نهاية المطاف بشر ضيق نطاق الرؤيا ومن هنا ينبغي ألا ننتظر منه الإلمام بكل شيء في ذلك البلد، بل نكتفي بما استطاع أن يعرضه لنا، وعلينا أن نكمله بما كتبه الأدباء الآخرون.

ويقول الدكتور هلال عن حق: إن الصور الأدبية التي تتكون هذا النحو قلما تكون صادقة أمينة في تعبيرها عن طبيعة البلد ونفسية ساكنيه، بل كثيرًا ما تختلط الحقائق فيها بمزاعم لا أصل لها، أو بتأويلات مبالغ فيها، فتخرج بذلك عن حدود الواقع، وتصير في جملتها من خلق الآداب المختلفة.

ومثال ذلك ما كتبه الشيوعيون عندما زاروا الاتحاد السوفيتي وبلاد الكتلة الشرقية، فقد كانوا يقدمون لنا صورًا ساطعة براقة ليس فيها أي موضع لعيب أو لنقص أو لمؤاخذة أو ما إلى ذلك، وإذا كان هذا صحيحًا فلماذا ثارت شعوب تلك البلاد على حكامها وعلى نظامها؟! إذا كان الأمر كما صوروه لنا في كتاباتهم فلماذا كانت نفوس هؤلاء الشعوب ضائقة بهذه الأوضاع إلى الحد الذي جعلهم يثورون على أنظمة بلادهم ويهدمونها هدمًا؟! ولا أريد أن أقول: إن هؤلاء الرحالة الذين صوروا هذه الصور البراقة لبلاد الكتلة الشرقية كانوا متأثرين باتجاهاتهم بالمركسية فقط، بل ربما دفع لهم أموالًا ليقدموا لنا هذه الصور البراقة، كلون من ألوان الدعاية، وهذا معروف جدًّا وله حساباته الخاصة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015