وقد دَفعت كل تلك العلاقات الشعبين إلى التقارب؛ ليتعرف كل منهما على الآخر، فتعلم كثير من الفرس لغة العرب، وتعلم بعض أدباء العرب لغة الفرس، وبدأ اللقاح الفكري واضحًا بين الأدبين، وذا فروع ثمار كثيرة، وكان التأثير العربي في الأدب الفارسي الحديث أقوى من التأثير الإيراني القديم في الأدب العربي.
ونُحب أن نوضح نقطة هنا حتى لا يساء فهم كلام الدكتور محمد غنيمي هلال في هذا الموضوع، بعد فتح بلاد فارس تبنى الفرس اللغة العربية، وأصبح الأدباء الفرس، والمفكرون الفرس يكتبون باللغة العربية، فكلامه عن تعلم كثير من الفرس اللغة العربية، ربما يفهم منه أن اللغة العربية كانت لغة أجنبية بالنسبة إلى هذا الشعب، لا، بل كانت لغته التي يكتب بها أدباؤه وشعراؤه وعلماؤه ومفكروه ... إلى آخره، ومن هنا نجد كثيرًا جدّا جدًّا من الأدباء والشعراء والمفكرين والعلماء الفرس يملئون مكانًا كبيرًا في التراث العربي.
وقد تكون العوامل التي ربطت بين أدبين أو بين كاتبين هي مجرد وسطاء مهدوا بكتابتهم للتعرف بالبلد أو بالأدب الذي يدعون إليه كما فعل "كارل ليل" في تعريف الإنجليز بالأدب الألماني، وكما فعل "فولتير" في الدعاية لـ"شكسبير"، وكما صنعت مدام "ديستايد" في تعريف الفرنسيين بألمانية وبالأدب الألماني، وكما فعل الشيوعيين عندنا في فترة العشرينات وفي نهاية الأربعينات عندما عرفونا على الأدب الشيوعي والفكر المركسي.
والكُتّاب من الرحالة عامل هام كذلك في هذا النوع من التأثير، وقد كانت إيطاليا كعبة الأدباء في عصر النهضة، وكان هذا سببًا في تعريف أوربا بالأدب الإيطالي، ويدخل في هذا عامل الكتاب الرحالة فيما تم من تأثير بين الأدبين العربي والفارسي كما يقول الدكتور هلال، فنشاط الرحلة بين البلدين بعد الفتح الإسلامي مضرب المثل، وقد آتى ذلك كثيرًا من الثمرات الأدبية، ويكفي أن