نشير في هذا السياق إلى الشاعر العتابي التغلبي الذي كان يرحل إلى إيران لكتابة النصوص الأدبية الإيرانية، وكذلك سعدي الكاتب والشاعر الفارِسي، الذي رحل كثيرًا قبل أن يكتب، وأودع مؤلفاته الخالدة ثمرة تجاربه واطلاعه.
وعِنْدنا كثيرٌ من الرحالة العرب في العصر الحديث، إذ كتبوا عن البلاد التي زاروها وعرفونا بأوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما إلى ذلك، كما عرفونا بآدابها، وبعضهم أردف ما كتبه في رحلاته إلى تلك البلاد بترجمة أشياء من آداب تلك البلاد، أو كتابة مؤلفاته عنها.
وبعد ذَلك يستطيع الباحثُ أنْ ينتقل إلى مسألة أخص، وهي الطريقة التي وصلت بها المعارف الأدبية إلى الأدب المتأثر، يا ترى هل وصلتها هذه المعارف عن طريق الترجمة؟ أو هل وصلتها عن طريق الاطلاع المباشر عليها في نصوصها الأصلية؟ وما نوع الترجمة التي اطلعوا عليها؟ أكانت وفية للنص؟ أم حدث فيها تصرف؟ وما قيمة ها التصرف؟ وما مسلك الكاتب المتأثر حياله؟.
ذلك أننا ينبغي أن نعرف أن الترجمات لا تؤدي النص الأصلية كما هو، بل كثيرًا ما تدخل عليه أشياء وأشياء، بقصد من المترجم أو غير قصد، فربما لا يَفهم المترجم النص الأصلي فيترجمه خطأ، وربما يكون ذا هوًا فيغير بعض ما فيه من أفكار وآراء، وقد يحذف منها أشياء، وقد يضيف إليها أشياء، وقد يرى أن ترجمة هذا النص لا يليق فيستغني عنه ... إلى آخره.
وقد راجعت بعض ترجمات القصص التي أرادت بها إحدى دور النشر أن تنشرها للناشئة العرب؛ فكنت ألاحظ أنه إذا كان هناك كلام على كأس من الخمر في حالة من الحالات استبدل بها المترجم كوبًا من عصير البرتقال مثلًا، وكانت حُجّتهم عندما فاتحتهم في هذا أنهم لا يريدون للنشء العربي المسلم أن