هذا ما يقوله الدكتور محمد غنيمي هلال -رحمه الله- ولكن لي تعليقًا على هذا وهو: أن بعض الكتاب ربما لا يقول الحقيقة لسبب أو لآخر، فقد يحاول بعضهم أن يتفاخر بأنه مطلع على أعمال الأديب الفلاني أو غيره على حين أنه لم يطلع على شيء من ذلك، ربما سمع به، ربما كون انطباعًا عامًا عنه، لكنه يريد إيهام القارئ بأنه يعرفه معرفة جيدة، ومن ثم فحتى لو افترضنا أنه قال: إنه قد تأثر به وقرأه وهضمه وما إلى ذلك، فعلينا ألا نأخذ هذا مأخذ التسليم بل لا بد من أن نضعه تحت مجهر البحث لنتأكد بأنفسها.
وإذا لم يكن هناك نص صريح نستدل به على التأثر الأدبي، وجب التثبت من معرفة قرائن أخرى لإثبات الصلات التاريخية بين الأدباء، فقد يكون التشابه بين النصين خادعًا، فيظن الباحث أنه ثمرة التأثر الأدبي، وما هو في الواقع إلا نتيجة لملابسات متشابهة أوحت بنفس المعاني للكاتبين بدون قيام صلة أدبية بينهما، أو نتيجة حركة فكرية أو اجتماعية عامة، نتج عنها اتحاد اتجاه الكاتبين.
بل قد يكون التشابه الأدبي نتيجة مصادفة أو من المواضيع المشتركة بين القرائح الإنسانية، وهذا صحيح؛ لأنّ البشر على اختلاف أوطانهم وأديانهم وأجناسهم وظروفهم، وأزمانهم، هم في نهاية المطاف بشر؛ مواهبهم واحدة، واهتماماتهم واحدة، وهمومهم واحدة، وآمالهم واحدة ... إلى آخره.
وقد يكون من المهم تمييز الأسباب المُختلفة التي أدت إلى التشابه بين الكتاب في الآداب المختلفة، غير أن الوقوف عند مجرد التشابه دون أن تكون هناك صلة تاريخية ليست له أهمية في الدراسات المقارنة"، وهذا كلام الدكتور محمد غنيمي هلال مرة أخرى، وهو صحيح إذا كنا نبحث في مجال التأثير والتأثر، أما إذا كنا نبحث في الأدب المقارن بوجه عام فهناك مدارس أخرى لا تشترط هذا الشرط،