وأيًا ما يكن الحق في أمر هذا العاشر، فإن قصته قد أصبحت قصة عالمية إذ انتقلت عبر الآداب المختلفة، وشغلت الأدباء والدارسين شغلانًا كثيرًا حتى اليوم، بوصفه نموذجًا للمحب الموله اليائس، الذي لا يرعوي مع هذا عن حبه ولا يستطيع، بل يظل هائمًا هيمان حتى يفقد عقله من هذا الحب، غير مبال بشيء من الاعتبارات الاجتماعية أو الدينية، إذ هو مغلوب عن أمره لا يقدر على شيء، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولم يكن في وسعه أن يصنع شيئًا إزاء هذا الوله الذي دمره تدميرًا، دون أية بارقة من الأمل.

لقد تحول الحب لهذا النموذج الإنساني إلى حب من أجل الحب، حب لا ثمرة له ولا انتظار لأية ثمرة منه، ومع هذا يظل الحب مستمرًا؛ لأن صاحبه لا يمكنه إيقافه إلا أن كل من تناول قصة المجنون وصنع منها عملًا أدبيًّا قد تناولها بطريقته هو، وضمنها ما يريده هو من أفكار وما يريد أن يخلع عليها من عواطف ومشاعر وما يريد أن يضمنها من قيم ومبادئ.

ومن الأمر العجيب أن قصة المجنون -رغم تشكيك بعض الباحثين في تاريخيتها- قد حظيت باهتمام بالغ في الآداب والفنون غير العربية ربما لم تحظ به أي قصة عربية سواها، نقرأ مثلًا مقال إبراهيم العريس بجريدة الحي اللبنانية بتاريخ الرابع عشر من ديسمبر سنة ألفين وتسعة عنوانه: "ألف وجه لألف عام مجنون ليلى على الطريقة الفارسية صورة حضارات مشتركة"، نقرأ أن حكاية المجنون وغرامه بليلى هي بالتأكيد عربية إذن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015