فيتوجهون به نحو نجدٍ، ونحن مع ذلك نخاف أن يلقي نفسه من الجبل، فإن شئت الأجر دنوت منه فأخبرته أنك أقبلت من نجدٍ، فدنوت منه وأقبلوا عليه فقالوا له: يا أبا المهدي، هذا الفتى أقبل من نجد، فتنفس تنفسةٍ ظننت أن كبده قد انصدعت، ثم جعل يسألني عن وادٍ وادٍ وموضعٍ موضعٍ، وأنا أخبره وهو يبكي أحر بكاءٍ وأوجعه للقلب، ثم أنشأ يقول:

ألا ليت شعري عن عوارضتي قنًا ... لطول الليالي هل تغيرتا بعدي

وهل جارتانا بالبتيل إلى الحمى ... على عهدنا أم لم تدوما على العهد

وعن علويات الرياح إذا جرت ... بريح الخزامى هل تهب على نجد

وعن أقحوان الرمل ما هو فاعلٌ ... إذا هو أسرى ليلةً بثرىً جعد

وهل أنفضن الدهر أفنان لمتي ... على لاحق المتنين مندلق الوخد

وهل أسمعن الدهر أصوات هجمةٍ ... تحدر من نشزٍ خصيبٍ إلى وهد

وقد اختلف الناس حول وجود المجنون، منهم من يثبت هذا الوجود ومنهم من ينكره، ويرى أنه لم يكن هناك شخص اسمه مجنون ليلى أو قيس بن الملوح، ومن القائلين بأنه شخصية حقيقة الدكتور محمد غنيمي هلال، الذي يؤكد أنه لا يجد فيما قاله عنه المشككون من الرواة دليلًا يقطع بعدم وجوده، وإن كانت بعض أخباره يظهر فيها التمحل والاختراع أو المبالغة والإسراف.

ولكن متى كانت المبالغة في الأخبار دليلًا على عدم وجود صاحبها، ومعروف أن كل من نبغ في أمر أو شذ فيه يحاط كما يقول هلال بهالة من الأساطير في حياته أو بعد مماته، وبخاصة أن أخبار المجنون قد وصلت إلينا عن طريق الرواية، والروايات تصيب وتخطئ، ولا ينبغي أن نتخذ الخطأ في بعضها ذريعة لإنكارها كلها، وإلا لتعارضت أكثر شخصيات عظماء التاريخ للشك فيها. وهذا الكلام موجود في كتاب الدكتور محمد غنيمي هلال: (دراسات أدبية مقارنة).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015