عرضت على قلبي العزاء فقال لي ... من الآن فاياس لا أعزك من صبر
إذا بان من تهوى وأصبح نائيًا ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منىً ... فهيج أطراب الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرًا كان في صدري
دعا باسم ليلى ظلل الله سعيه ... وليلى بأرضٍ عنه نازحةٍ قفر
ثم قال له أبوه: تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى، فتعلق بأستار الكعبة. وقال: اللهم زدني لليلى حبًّا، وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا، فهام حينئذٍ واختلط فلم يضبط. قالوا: فكان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل إلا ما ينبت في البرية من بقل، ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها، وطال شعر جسده ورأسه وألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه، وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشأم، فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمر به من أحياء العرب عن نجدٍ، فيقال له: وأين أنت من نجد! قد شارفت الشأم! أنت في موضع كذا، فيقول: فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه وأن يكسوه فيأبى، فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه.
ذكر الهيثم بن عدي عن أبي المسكين، قال: خرج منا فتى خرج منا فتىً حتى إذا كان ببئر ميمونٍ إذا جماعة فوق بعض تلك الجبال، وإذا معهم فتىً أبيض طوال جعد كأحسن من رأيت من الرجال على هزالٍ منه وصفرةٍ، وإذا هم متعلقون به، فسألته عنه، فقيل لي: هذا قيسٌ المجنون خرج به أبوه يستجير له بالبيت، وهو على أن يأتي به قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدعو له هناك لعله يكشف ما به، فإنه يصنع بنفسه صنيعًا يرحمه منه عدوه، يقول: أخرجوني لعلي أتنسم صبا نجدٍ، فيخرجونه